حدّ الرجم للزاني
المحصن ونبوءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
Rule of Stoning Married Adulterer and the Prophecy of Omar ibn al-Khattab
may Allah be pleased with him
جمع وترتيب
أ.د.
حسين يوسف العمري
Hussain yousef Omari
قسم
الفيزياء / جامعة مؤتة / الأردن
د.
سائد ضمور
جمعية
الحديث الشريف
جمعية
الإعجاز العلمي للقرآن والسّنة
حدّ الرجم: هو أحد الحدود الثابتة في
الشرع الإسلامي، ويوقع على الزاني المحصن، رجلا كان أو امرأة، بعد ثبوت الزنا عند
الحاكم الشرعي ببينة أو إقرار، ولا يقام الحد إلا عند الحاكم الشرعي فهو وحده
المخول بتنفيذ الأحكام، وهو الإمام، أي: السلطان بصفة ولاية الحاكم، أو من يقوم
مقامه.
الموضوع تذكيرٌ بما تنبأ به عمرُ الملهمُ المُحدَّثُ الذي يرى بنور
الله؛ إذ يقول: (فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ
وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ
فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ
زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ
أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ).
وأمّا النسخ فثابت في الكتاب والسنّة. وفي الحديث الشريف: (لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ {لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ
تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ
لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:
284]، قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلَّمَ، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا علَى
الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ،
الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه
الآيَةُ ولا نُطِيقُها، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:
أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا
وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ
المَصِيرُ، قالوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ،
فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في
إثْرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ
مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ}
[البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ نَسَخَها
اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} [البقرة: 286] قالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا
تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا} قالَ: نَعَمْ
{رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ} قالَ: نَعَمْ {واعْفُ عَنَّا
واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ}
قالَ: نَعَمْ.) ( )
فالمُؤمنون يُؤمنون بأنَّ اللهَ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمَدٌ، لا إلهَ غيرُه،
ولا ربَّ سواه، ويُصدِّقون بجميعِ الملائكةِ والأنبياءِ والرُّسلِ والكتبِ
المُنزَّلة مِن السَّماءِ على عبادِ الله المُرسَلين والأنبياء، لا يُفرِّقون بين
أحَدٍ منهم فيُؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ، بل الجميعُ عندهم صادقون بارُّونَ
راشدونَ مَهديُّون هادون إلى سُبلِ الخيرِ، وإن كان بعضُهم ينسَخُ شريعةَ بعضٍ
بإذنِ الله، حتَّى نُسِخ الجميعُ بشرعِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمِ
الأنبياءِ والمُرسَلين، الَّذي تقومُ السَّاعةُ على شريعتِه، ولا تزالُ طائفةٌ مِن
أُمَّتِه على الحقِّ ظاهرينَ، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، أي: سمِعْنا
قولَك يا ربَّنا، وفهِمْناه، وقُمْنا به، وامتثَلْنا العملَ بمقتضاه {غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا} سؤالٌ للمغفرةِ والرَّحمةِ واللُّطفِ، {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، أي:
إليك المرجِعُ والمآبُ يومَ يقومُ الحسابُ، فلمَّا فعَلوا ذلك، أي: قالوا ما
أُمِروا بقولِه مِن قولِه: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، نسَخها
اللهُ تعالى، أي: أَثبَتَ الخطَّ ونسَخ الحُكمَ، فأنزَل
اللهُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، أي: ما تسَعُه قُدرتُها
وطاقتُها وجُهدُها، {لَهَا مَا كَسَبَتْ} مِن الخيرِ، أي: ثوابُه، {وَعَلَيْهَا
مَا اكْتَسَبَتْ} مِن الشَّرِّ، أي: وِزْرُه، ولا يؤاخَذُ أحَدٌ بذَنْبِ أحدٍ، ولا
بما لم يكسِبْه ممَّا وسوسَتْه به نفسُه، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} بالعقابِ
{إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، أي: ترَكْنا الصَّوابَ، لا عن عمدٍ، كما
آخَذْتَ به مَن قَبْلَنا، قال: نَعم، أي: قد فعَلتُ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ
عَلَيْنَا إِصْرًا}، أي: أمرًا يثقُلُ علينا حَملُه، {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، أي: مِن بَني إسرائيلَ، قال: نَعم، أي: قد فعلتُ،
{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} مِن التَّكاليفِ
والبلاءِ، قال: نَعم، {وَاعْفُ عَنَّا}، أي: امحُ عنَّا ذنوبَنا، {وَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا} في الرَّحمةِ زيادةٌ على المغفرةِ، {أَنْتَ مَوْلَانَا}، أي:
سيِّدُنا ومُتولِّي أمرِنا؛ {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
[البقرة: 286] بإقامةِ الحُجَّةِ والغلَبةِ في قتالِهم؛ فإنَّ شأنَ المولى أنْ
ينصُرَ مواليَه على الأعداءِ، قال: نَعم، أي: قد فعَلتُ.
المبحث
الأول: عمرُ الملهمُ، مدرسةُ العلمِ والدينِ ، عمرُ يحذرنا من تآمر أصحاب الهوى على أحكام الدين
عمرُ الملهمُ: (إنَّه كان قد كان فيما مضى قبلَكم من الأممِ مُحدَّثونَ ، وإنَّه
إن كان في أمَّتي هذه منهم فإنَّه عمرُ بنُ الخطَّابِ) ().
شهادةُ الرسولِ لعمرَ بالعلمِ:
-
(بَيْنا أنا نائِمٌ أُتِيتُ بقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ منه، ثُمَّ
أعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالوا: فَما أوَّلْتَهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟
قالَ: العِلْمَ.) (). (بَيْنا أنا نائِمٌ أُتِيتُ بقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ
منه حتَّى إنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ قالوا:
فَما أوَّلْتَهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: العِلْمُ.) ( (
رسولُ اللهِ يشهدُ لعمرَ بالدينِ: (بيْنَما أنا نائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وعليهم قُمُصٌ، مِنْها ما يَبْلُغُ الثَّدْيَ، ومِنْها ما يَبْلُغُ دُونَ ذلكَ، ومَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليه قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قالوا: ما أوَّلْتَهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الدِّينَ) ()
. (بينا أنا نائمٌ ، رأيتُ الناسَ يُعرضون
عليَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يَبلُغُ الثُّدِيَّ، ومنها ما دون ذلك، وعُرِضَ عليَّ
عمرُ بنُ الخطابِ وعليه قَمِيصٌ يَجُرُّه.
قالوا: فما أوَّلتَ ذلك يا رسولَ الله؟ قال: الدينُ) ().
فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا من الناسِ يَفْرِي فَرْيَهُ (عمر): (بَيْنا أنا على بِئْرِ أَنْزِعُ منها إذ جاء أبو بكرٍ وعمرُ ، فأخذ أبو بكرٍ الدَّلْوَ ، فنَزَع ذَنُوبًا أو ذَنُوبَيْنِ ، وفي نَزْعِهِ ضَعْفٌ ، فغفر اللهُ له ، ثم أخذها ابنُ الخَطَّابِ من يدِ أبي بكرٍ ، فاسْتَحَالَتْ في يَدِهِ غَرْبًا ، فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا من الناسِ يَفْرِي فَرْيَهُ ، حتى ضرب الناسُ بعَطَنٍ) ().
والعَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ حولَ الماء،
أي: ما زال يُخرِج للناسِ الماءَ حتى نَصَب الناسُ خِيامَهم، وأَقاموا إبلَهم حولَ
الماء، وتأويلُ هذا: ما حَصَل مِن طُولِ خلافتِه رضِي اللهُ عنه، وما كان فيها من
فَتْحٍ وخَيْر.
وفي الحديثِ: إعلامٌ بخِلافتِهما رضِي اللهُ عنهما، وصِحَّةِ
وِلايتِهما، وكثرةِ الانتفاعِ بهما.
ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ
سَالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَفَجِّكَ: (اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عنْه علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِن
قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ ويَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أصْوَاتُهُنَّ علَى صَوْتِهِ،
فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فأذِنَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ فَدَخَلَ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضْحَكُ، فَقالَ: أضْحَكَ
اللَّهُ سِنَّكَ يا رَسولَ اللَّهِ، بأَبِي أنْتَ وأُمِّي؟ فَقالَ: عَجِبْتُ مِن هَؤُلَاءِ
اللَّاتي كُنَّ عِندِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ فَقالَ: أنْتَ
أحَقُّ أنْ يَهَبْنَ يا رَسولَ اللَّهِ، ثُمَّ أقْبَلَ عليهنَّ، فَقالَ: يا عَدُوَّاتِ
أنْفُسِهِنَّ، أتَهَبْنَنِي ولَمْ تَهَبْنَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟
فَقُلْنَ: إنَّكَ أفَظُّ وأَغْلَظُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إيهٍ يا ابْنَ الخَطَّابِ، والذي نَفْسِي
بيَدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَفَجِّكَ.) ().
في أيّ طريق أو
فجّ تسيرون يا من سمعتم وتسمعون نبوءة عمر؛ وتسقُطونَ في شَرَكِ إنكار حدّ الرجم
على الزاني المحصن؟!
الفرع الثاني:
من موافقات القرآن لعمر
موافقات القرآن لعمر كثيرة
ومنها:
عمر يلحُّ على
الله في الدعاء : (اللَّهمَّ بيِّن لَنا في الخمرِ بيانًا شافيًا) إلى أن نزلت
الآية { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قالَ عمرُ:
(انتَهَينا)
(لمَّا نزلَ تَحريمُ الخَمرِ
قالَ : اللَّهمَّ بيِّن لَنا في الخمرِ بيانًا شافيًا . فنزلت الآيةُ التي في
البقرةِ : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
فدُعِي عمرُ فقُرِئت عليهِ ، فقالَ : اللَّهمَّ بيِّن لَنا في الخمرِ بيانًا شافيًا
. فنزلتِ الآيةُ التي في سورة النِّساءِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ، فَكانَ مُنادي رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ إذا قال حيَّ على الصَّلاةَ نادى : لا يقربنَّ الصَّلاةَ سَكرانُ . فدُعِي
عمرُ فقُرِئت عليهِ ، فقالَ : اللَّهمَّ بيِّن لَنا في الخمرِ بيانًا شافيًا
. فنزلتِ الآيةُ التي في المائدةِ . فدُعِي عمرُ ، فقرئت عليهِ ، فلمَّا بلغَ : فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قالَ عمرُ : انتَهَينا) (الراوي :
عمر بن الخطاب ، المحدث :
أحمد شاكر ، المصدر :
عمدة التفسير، الصفحة أو الرقم: 1/724 ، خلاصة حكم المحدث :
إسناده صحيح
عدم الصلاة على المنافقين:
(وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ
عَلَى قَبْرِهِ)
(أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ
لَمَّا تُوُفِّيَ، جَاءَ ابنُهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا
رَسولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وصَلِّ عليه، واسْتَغْفِرْ
له، فأعْطَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَمِيصَهُ، فَقالَ: آذِنِّي أُصَلِّي
عليه، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عليه جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عنْه، فَقالَ: أَليسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ علَى المُنَافِقِينَ؟ فَقالَ:
أَنَا بيْنَ خِيَرَتَيْنِ، قالَ: {اسْتَغْفِرْ لهمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لهمْ إنْ
تَسْتَغْفِرْ لهمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لهمْ} [التوبة: 80]
فَصَلَّى عليه، فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُصَلِّ علَى أَحَدٍمنهمْ مَاتَ أَبَدًا ولَا تَقُمْ
علَى قَبْرِهِ} ]التوبة: 84[ ) ()
فضُلَ عمرُ بنُ الخطابِ
الناسَ بأربعٍ: (فضُلَ عمرُ بنُ الخطابِ الناسَ
بأربعٍ بذكرِ الأسرَى يومَ بدرٍ أمر بقتلِهم فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وبذكرِ الحجابِ أمر نساءَ النبيِّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يحتجِبْنَ فقالت له زينبُ وإنك علينا يا ابنَ الخطابِ
والوحيُ ينزلُ في بيوتِنا فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ (وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)
وبدعوةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللهمَّ أيدِ الإسلامَ بعمرَ وبرأيِه في
أبي بكرٍ كان أولَ مَن بايعَه) ()
الفرع الثالث: عمرُ يحرص على جمع القرآن ويحقق العبودية ومبدأ
الشورى
أَنْشَأَ عُمَرُ
بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقالَ: رَضِينَا باللَّهِ رَبًّا، وَبالإسْلَامِ
دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، عَائِذًا باللَّهِ مِن سُوءِ الفِتَنِ
(أنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِيَّ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى أَحْفَوْهُ بالمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ ذَاتَ
يَومٍ فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَقالَ: سَلُونِي، لا تَسْأَلُونِي عن شيءٍ إلَّا بَيَّنْتُهُ
لَكُمْ فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ القَوْمُ أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكونَ بيْنَ يَدَيْ
أَمْرٍ قدْ حَضَرَ. قالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا
كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ في ثَوْبِهِ يَبْكِي، فأنْشَأَ رَجُلٌ مِنَ المَسْجِدِ،
كانَ يُلَاحَى فيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ مَن أَبِي؟ قالَ:
أَبُوكَ حُذَافَةُ ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه،
فَقالَ:
رَضِينَا باللَّهِ رَبًّا، وَبالإسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، عَائِذًا
باللَّهِ مِن سُوءِ الفِتَنِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَمْ أَرَ
كَالْيَومِ قَطُّ في الخَيْرِ وَالشَّرِّ، إنِّي صُوِّرَتْ لي الجَنَّةُ وَالنَّارُ،
فَرَأَيْتُهُما دُونَ هذا الحَائِطِ.) ().
كَرِهْتَ أَمْرًا،
وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَما لِي؟: (لَبِسَ النبيُّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا قَبَاءً مِن دِيبَاجٍ أُهْدِيَ له، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ
نَزَعَهُ، فأرْسَلَ به إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فقِيلَ له: قدْ أَوْشَكَ ما نَزَعْتَهُ
يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ: نَهَانِي عنْه جِبْرِيلُ، فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كَرِهْتَ
أَمْرًا، وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَما لِي؟ قالَ: إنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ، إنَّما
أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ، فَبَاعَهُ بأَلْفَيْ دِرْهَمٍ) (). (لَبِسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يومًا
قُباءً مِن ديباجٍ أُهْديَ له، ثُمَّ أوْشَكَ أنْ يَنزِعَه، وأرسَلَ به إلى عُمَرَ
بنِ الخطَّابِ، فقيل: قد أوشَكْتَ ما نَزَعْتَه يا رسولَ اللهِ، فقال: نَهاني عنه جِبريلُ
صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فجاءه عُمَرُ يَبكي، فقال: يا رسولَ اللهِ، كَرِهْتَ أمْرًا
وأعْطَيْتَنيه، فما لي؟ فقال: لم أُعطِكَه لتَلْبَسَه، إنَّما أَعطَيتُكَه تَبيعُه،
فباعَه بألْفَيْ دِرهَمٍ.) ()
عمر يحقق مبدأ
الشورى ويوافق الحديث الشريف في عدم الدخول إلى بلد الوباء
(أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، خَرَجَ إلى الشَّأْمِ،
حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ، أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ
وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ
عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ،
وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ
النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ
علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ،
فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، واخْتَلَفُوا
كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَا
هُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ
منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى
هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا
عليه. قَالَ أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ
عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ
إلى قَدَرِ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِيًا له عُدْوَتَانِ،
إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا
بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ
عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ - وكانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ:
إنَّ عِندِي في هذا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ:
إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا
فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.) ( (
عمر وجمع القرآن: (أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ
مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، قالَ أبو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عنْه: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ:
إنَّالقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ،
وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ
مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ، قُلتُ لِعُمَرَ: كيفَ
تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ عُمَرُ:
هذا واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي
لذلكَ، ورَأَيْتُ في ذلكَ الذي رَأَى عُمَرُ، قالَ زَيْدٌ: قالَ أبو بَكْرٍ: إنَّكَ
رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لو كَلَّفُونِي
نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِن جَمْعِ
القُرْآنِ، قُلتُ: كيفَ تَفْعَلُونَ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ؟، قالَ: هو واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتَّى
شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عنْهمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ واللِّخَافِ، وصُدُورِ الرِّجَالِ،
حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مع أبِي خُزَيْمَةَ الأنْصَارِيِّ لَمْ أجِدْهَا
مع أحَدٍ غيرِهِ، {لقَدْ جَاءَكُمْ رَسولٌ مِن أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ}
حتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ
اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عنْه) (الراوي: زيد بن ثابت - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر:
الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4986
)
(أَرسَلَ إليَّ أبو بَكرٍ مَقتَلَ
أهلِ اليَمامةِ، فأَتَيْتُه وعِندَه عُمرُ، فقال: إنَّ عُمرَ أَتاني، فقال: إنَّ القتلَ
قدِ استَحَرَّ يومَ اليَمامةِ بقُرَّاءِ القرآنِ، وإنِّي أَرَى أنْ تَأمُرَ بجَمعِ
القرآنِ، قال: وكيف أَفعَلُ شَيئًا لم يَفعَلْهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،
فقال عُمرُ: هو واللهِ خَيرٌ، فلمْ يَزَلْ يُراجِعُني حتَّى شَرَح اللهُ صَدْري للَّذي
شرَح له صدْرَ عُمرَ، ثمَّ قال: إنَّك غُلامٌ شابٌّ عاقلٌ، لا نَتَّهِمُك، وقد كنتَ
تَكتُبُ الوَحيَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَتَبَّعِ القرآنَ فاجْمَعْهُ،
فقلْتُ: كيف تَفعَلانِ شَيئًا لم يَفعَلْهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟
فقال أبو بَكرٍ: هو واللهِ خَيرٌ، فلمْ يَزَلْ يُراجِعُني حتَّى شرَح اللهُ صَدْري
للَّذي شرَح له صدْرَ أبي بَكرٍ وعُمرَ رضيَ اللهُ عنهما، واللهِ لو كَلَّفاني نقْلَ
جبَلٍ مِنَ الجِبالِ ما كان أَثقَلَ عليَّ مِنَ الَّذي كَلَّفاني. قال: فتَتَبَّعْتُ
القرآنَ أَجمَعُه مِنَ العُسُبِ، والرِّقاعِ، وصُدورِ الرِّجالِ. قال: ووجَدْتُ آيةً
مع خُزَيمةَ أو أبي خُزَيمةَ -شكَّ إبراهيمُ- كنتُ أَسمَعُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ يَقرَأُ بها في التَّوبةِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] إلى آخِرِ الآيةِ، فكتَبْتُها. وكانتِ
الصُّحُفِ عِندَ أبي بَكرٍ حياتَهُ، ثمَّ عِندَ عُمرَ حياتَهُ، ثمَّ عِندَ حَفصةَ ابنةِ
عُمرَ. قال ابنُ شِهابٍ: وأَخبَرَني أنسُ بنُ مالكٍ أنَّ حُذَيفةَ بنَ اليَمَانِ قَدِمَ
على عثمانَ، وكان يُغازِي أهلَ الشَّامِ مع أهلِ العِراقِ، وفَتَحَ أَرْمِينيَّةَ وأَذْرَبِيجانَ،
فأَفزَعَ حُذَيفةَ اختِلافُهُم في القِراءةِ، فقال لعُثمانَ: يا أميرَ المؤْمِنينَ،
أَدرِكْ هذِه الأُمَّةَ قبْلَ أنْ يَختلِفوا في الكِتابِ كما اختَلَفَتِ اليَهودُ والنَّصارَى.
فأَرسَلَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه إلى حَفصةَ: أنْ أَرسِلي إلَينا بالصُّحُفِ نَنسَخُها
في المصاحِفِ ثمَّ نَرُدُّها إليك. فأَرسَلَتْ بها إلَيهِ، فأَمَرَ زَيدًا، وعبدَ اللهِ
بنَ الزُّبَيرِ، وسعيدَ بنَ العاصِ، وعبدَ الرَّحمنِ بنَ الحارِثِ بنِ هِشامٍ أنْ يَنسَخُوا
الصُّحُفَ في المَصاحِفِ، فإنِ اختَلَفُوا في شَيءٍ مِنَ القرآنِ فاكتُبُوهُ بلِسانِ
قُرَيشٍ؛ فإنَّ القرآنَ نزَلَ بلِسانِهِم. ففَعَلوا ذلك، حتَّى إذا نَسَخُوا الصُّحُفَ
في المصاحفِ رَدَّ عثمانُ الصُّحُفَ إلى حَفصةَ، فأَرسَلَ إلى كلِّ أُفقٍ بمُصحفٍ ممَّا
نَسَخُوا، وأَمَرَ بما سِواهُ مِنَ القرآنِ في كلِّ صَحيفةٍ أو مُصحفٍ أنْ يُمْحَى
أو يُحرَقَ".) ()
عمرُ الملهمُ
المُحدَّثُ الذي يرى بنور الله يقول: (...فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ
أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ
فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ).
المبحث الثاني : ثبوت
آية الرجم قبل نسخ
تلاوتها
"إتفق جمهور
أهل السنة والجماعة على أن آية الرجم كانت إحدى الآيات القرآنية المنزلة من عند الله
تعالى، وأن الصحابة كانوا يعدونها آية من القرآن قرؤوها وعقلوها ووعوها ولم يؤمروا
بكتابتها في المصحف (). ثم نسخ
لفظ هذه الآية وبقي حكمها؛ وهو حكم الرجم. وأن النسخ لا يكون إلا بأمر الله تعالى وحكمه،
وقد ثبث حكم حد الرجم بأدلة مستفيضة، وشواهد متعددة، ومنها حديث: عن
عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنهما: (قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَهو جَالِسٌ علَى مِنْبَرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ قدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عليه الكِتَابَ، فَكانَ ممَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طَالَ بالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وإنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ حَقٌّ علَى مَن زَنَى إذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كانَ الحَبَلُ، أَوِ الاعْتِرَافُ.) ()
عقوبة الزاني المحصن ()
: اتفق الفقهاء بالإجماع على أنّ حدّ الزاني المتزوج والزانية المتزوجة أن يُرجما حتى
الموت، وقد صحّ قولاً وفعلاً أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- رجم ، وَقَدْ أنزله الله
تعالى فِي كتابه، غير أنّ آية الرّجم منسوخة رسماً لا حكماً؛ لِمَا صحّ عن عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه-. ويرجم الزاني المحصن حتى الموت
باتفاق، ولو كان شريفاً أو ذا مكانةٍ في قومه.
رجم الثيب الزاني
(): "قوله: فَكانَ ممَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا قال النووي: أراد بآية الرجم: (الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا
زَنَيَا فارجُموهُما البَتَّةَ...). وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه. وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ، وقد وقع نسخهما جميعا.
وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة: أن المنسوخ لا يكتب في المصحف، وفي إعلان
عمر بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل
على ثبوت الرجم؛ وذلك في قول عمر:
(فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا
نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنْزَلَهَا اللَّهُ).
مَن
كفرَ بالرَّجمِ فقد كفرَ بالقرآنِ مِن حيثُ لا يحتسِبُ: (عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ : مَن كفرَ بالرَّجمِ فقد كفرَ بالقرآنِ مِن حيثُ لا يحتسِبُ ، قولُهُ : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ فَكانَ الرَّجمُ ممَّا أخفَوهُ
) (). ( مَن كفَرَ بالرجْمِ، فقد كفَرَ بالقُرآنِ من حيث لا يَحتَسِبُ، وذلك قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 15]، فكان ممَّا أخفَوْهُ الرجْمُ.) ()
قال النووي: هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج
ومن وافقهم.
قوله: (وإنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ حَقٌّ علَى مَن زَنَى إذَا
أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كانَ
الحَبَلُ، أَوِ الاعْتِرَافُ...) حكى النووي: الإجماع على ثبوت حد الرجم على الزاني
المحصن، إن شهد بذلك أربعة شهود ذكور عدول، يشهدون على نفس الزنا، أو يقر هو بذلك.
توضيح: تضمن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الناس بصفته خليفة رسول الله
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومبلغا عنه والقائم بأمر الأمة
الإسلامية، والذين تحدث إليهم معظمهم من الصحابة، والذي تحدث عنه عمرُ هو: حكم
حد الرجم الذي ثبت عند الصحابة، بقصد استظهار إقرارهم بما عرفوه وتلقوه من الأحكام
ليتحملوا مسؤلية البيان والتبليغ لمن بعدهم.
وقال: إن الله بعث نبيه محمداً صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحق، أي: مبلغاً ومبينا للناس
ما أنزل الله عليه. وأنزل عليه الكتاب وكان مما أنزل من القرآن آية الرجم، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. والمعنى: أنه أراد منهم أن يتحملوا مسؤلية تبليغ وبيان هذه الأحكام
التي تقررت في السابق، وانتهى الأمر بالاتفاق على هذا ولم ينكروا عليه، إذ لو كان في
الأمر أي مخالفة لما وافقوه.
إن آية الرجم منسوخة
رسماً لا حكماً؛ وهذا قد يؤدي إلى إنكار حكم الرجم بحجة أنه لم يوجد في القرآن حكم الرجم. وهذا ما كان يخشاه عمر، وقد حدث بعده بالفعل، حيث
ظهر من ينكر حد الرجم.
وقال ابن بطال ()
: أجمع الصحابة
وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ، ودفع ذلك الخوارج
وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن ، وحكاه
ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج . وجاء في شرح صحيح البخاري أن الخوارج وبعض المعتزلة
أنكروا حد الرجم بحجة أنه لا يوجد في القرآن ما يدل على الرجم، ومن لازم هذا
أنهم لم يحتجوا بالأحاديث النبوية، ولا بأقوال الصحابة. واحتج الجمهور بأن النبي - صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ - رجم وكذلك الأئمة بعده ، ولذلك أشار علي - رضي الله عنه - : (عن عليّ رضي الله عنه أنه ضربَ شراحةَ يومَ الخميسِ ورجمَها يوم الجمعةِ
وقال : جلدتُها بكتابِ اللهِ ورجمتُها بسنةِ رسولِ اللهِ) (). (عنِ الشَّعْبيِّ: أنَّ عليًّا جلَدَ شُراحةَ يومَ
الخَميسِ، ورجَمها يومَ الجمُعةِ، وقال: أَجلِدُها بكتابِ اللهِ، وأَرجُمُها بسُنَّةِ
رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.) ()
.
هل إنكار رجم الزاني المحصن يدخل في إنكار ما علم من الدين
بالضرورة ()؟
الإجابــة
(): "فإن حد الرجم للزاني المحصن قد أجمع عليه كل
فقهاء الأمة، إلا الخوارج وبعض المعتزلة، الذين أنكروه وقالوا: لا نجده في كتاب الله،
ولا عبرة بخلافهم، حتى صار أهل السنة والجماعة يذكرونه في كتب العقائد، رداً عليهم
وبياناً لضلالهم ومخالفتهم سبيل المؤمنين، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم،
منهم ابن المنذر وابن حزم والنووي، وكذا ابن قدامة، كما ذكرناه في الفتوى رقم:
5132.
ورجم
الزاني المحصن هو وإن كان مجمعاً عليه، إلا أنَّا لا نرى أنه من المعلوم من الدين بالضرورة،
فإن المعلوم بالضرورة هو ما لا تقدر نفس مسلمٍ على دفعه بعد العلم بأن المسلمين عليه،
لاستفاضته بين العامة والخاصة، كوجوب الصلاة والزكاة وصيام رمضان والحج، وكحرمة الظلم
والسرقة والخمر، أما قبل العلم به كحديث العهد بإسلام، فإنه لا يكفر قبل التعريف وإقامة
الحجة، أما ما لم يكن معلوماً من الدين بالضرورة فلا يكفر جاحده وإن كان مجمعاً عليه،
كما قال الدميري: يجري في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة،
فإن جحد مجمعًا عليه ليس معلومًا من الدين بالضرورة كاستحقاق بنت الابن مع البنت السدس..
فليس بكافر، بل يعرف الصواب ليعتقده. اهـ.
وانظر الفتوى رقم
(78151):" فالمعلوم من الدين بالضرورة ـ في مسألتك ـ هو نفس حرمة الزنا، أما عقوبتها
المخصوصة، فإن كان الجلد، فإن منكره من المسلمين بعد قيام الحجة عليه كافرٌ مرتدٌّ
يستتيبه ولي الأمر، فإن تاب، وإلا قُتل، لأنه يكون جاحداً لآيةٍ من كتاب الله وهي قوله
جل شأنه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (النور: 2 ).
قال ابن المقري في مختصر الروضة في بيان المرتد: أو كذب نبياً، أو جحد آية من المصحف مجمعاً عليها. اهـ.
أما
الرجم، فهو وإن كان مجمعاً عليه، إلا أنه لا يظهر لنا أنه من المعلوم بالضرورة، وليس
منكره مكذباً لآيةٍ من القرآن مقطوعٍ بها، لكن إذا قامت
عليه الحجة وتبيَّن له الأمر، فإنه لا يحكم بردته، لكنه ضالٌّ غاوٍ من أعظم الناس بدعةً
وضلالة، يخشى عليه من الكفر والزندقة بسبب اتباع الهوى، كما قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ
الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ
زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ
أَوْ الِاعْتِرَافُ ". متفق عليه.
قال ابن الجوزي في
كشف المشكل: فمعنى قول عمر: فيضلوا ـ أن الإجماع انعقد على بقاء حكم ذلك اللفظ
المرفوع من آية الرجم، وتركُ الإجماع ضلال. اهـ.
وقال ابن حجر: وقد وقع ما خشيه عمر أيضاً، فأنكر الرجمَ طائفة من الخوارج أو
معظمهم وبعض المعتزلة. اهـ.
وقد قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 115)."
وراجع الفتوى رقم (69765): وقد روى أبو الحسين الملطي في التنبيه
والرد على أهل الأهواء والبدع، وابن عساكر في تاريخ
دمشق عن حسان بن فروخ، قال:سألني
عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه: عما تقول الأزارقة، فأخبرته، فقال ما يقولون في
الرجم؟ فقلت: يكفُرون به، فقال: الله أكبر، كفروا بالله ورسوله! ..". اهـ.
وقوله: كفروا بالله ورسوله ـ
محمولٌ على كفرٍ دون الكفر الذي يخرجهم من الملة، فإنه لم يُنقل أنه حكم في هؤلاء بحكم
المرتدين، وهو لم يحتجَّ على قوله: كفروا ـ بأنه أمرٌ مستفيض يعلمه الخاص والعام من
المسلمين بالضرورة، بل احتج بحديث رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً، ولا يمتنع
أن يكون دليل الإجماع من أخبار الآحاد، واتفاق العلماء على كون هذا من الدين لا يستلزم
أن يصير معلوماً بالضرورة لكل المسلمين، والمشهور عند أهل العلم من مذهب عمر بن
عبد العزيز في طوائف الحرورية عدم تكفيرهم، فلو كان يحكم بردةِ من أنكر
حد الرجم لكونه معلوماً من الدين بالضرورة.. لكفّر جميع الخوارج أو أكثرهم، الأزارقة
وغيرهم، ولم ينقل عنه أنه يفرِّق بين طائفة منهم وطائفة، بل المنقول من سيرته فيهم
واحد، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا
كان أهل السنة مع أهل البدعة بالعكس: إذا قَدَروا عليهم لا يعتدون عليهم بالتكفير والقتل
وغير ذلك، بل يستعملون معهم العدل الذي أمر اللهُ به ورسولُه، كما فعل عمر بن عبد العزيز
بالحرورية والقدرية. اهـ.
وكذلك
من كفَّر الخوارج من السلف، لم ينقل عنهم أنهم كفَّروهم لأجل إنكار الرجم، بل كفَّروهم
لأجل استحلالهم دماء المسلمين بتأويل ركيك، مع ما ورد في الندب إلى قتلهم والأجر المترتب
عليه، من لسان النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن كلام
العُمرينِ فيمن أنكر الرجم يدل على شناعة هذا القول وعِظَمِه في نفوس السلف، وأنه قول
ممجوج يكفي في العلم ببطلانه أنه قد انفرد به الخوارج وأشباههم من الفرق الضالة المبتدعة،
نسأل الله لنا ولكم العافية في الدين واتباعَ
سبيل المتقين. والله أعلم."
إقامة
الحدّ يُكفّرُ الذنب: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا رجَم ماعزَ بنَ مالكٍ قال: ( لقد رأَيْتُه يتخضخَضُ في أنهارِ الجنَّةِ ) ) ().
للمزيد أنظر الموضوعات التالية:
الشيخ محمد بن صالح العثيمين: الرد على من
ينكر حد الرجم للزاني المحصن ().
الرد على منكري حد الرجم للشيخ عصام البشير ().
الجزء الأخير من (حد الرجم بين عبث السفهاء
وتلبيس الخبثاء) ().
حد الرجم بين الإثبات والإنكار.. دراسة فقهية
().
حد الرجم بين إجماع السابقين وأقوال
المتأخرين ().
شبهات حول حد الرجم على الزاني المحصن ().
يكون
حكم الرجم بشروط كالآتي ():
"1- أن يكون الزاني محصنا، فهو بذلك يتسبب بخلط
الأنساب إن تخفى بفعلته ونجا "وهذا خطير".
2-
أن يكون مجاهرا أو في حكم المجاهر، وغير مبال ومجترئا يفعل الفعل دون خوف أو تخف
أو استتار، ذلك أنه يرتكب الجرم بما يمكن شهوده بأربعة من الشهود العدول، وبوضعية
يتمكن بها الشهود رؤية الميل في المكحل!!
ومثل هذا أشبه بالمجترئ
على حدود الله زاد على زناه الاجتراء فيه. فإن لم يتم ردع هذه النوعية من الزناة
فسينتشر الزنى في الطرقات ودون تخف، وقد ورد في بعض الأثر أن من علامات آخر الزمان
أن يزني الناس على قارعة الطرقات فأي جرم أبشع من ذلك.
وما دون هذا
الاجتراء والوقاحة في ارتكاب الجرم، لا يمكن في الأحوال الطبيعية رصد الجرم بأربعة
شهود إلا نادرا جدا، بل ربما لا تحصل في مجتمع بحالة التخفي، وإن حصلت فمرة في جيل
من أجيال مجتمع ما.
فيتبين أن قسوة
الحكم من عظم أثر الجرم فعلا وكيفية ثبوته قضاء تبين ذلك وتوضحه."
الفرع الثاني: ثبوت آية الرجم في كتب الحديث
وردت آية الرجم في
كتب الحديث (عند أهل السنة) بألفاظ متعددة، وهي كالتالي:
(كان ابنُ العاصِ وزيدُ
بنُ ثابتٍ يكتُبانِ المصاحفَ فمرَّا على هذه الآيةِ فقال زيدٌ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ الشَّيْخُ وَالشَّيخَةُ فارجُمُوهُما الْبَتَّةَ فقال عمرُ
لما أُنزلتْ أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ أَكْتِبْنيها فكأنه كره
ذلك قال فقال عمرُ ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى وقد أحصنَ جُلِدَ ورجِمَ وإذا لم يُحصَنْ
جُلِدَ وأنَّ الشابَّ إذا زنى وقد أحصَنَ رُجِمَ) ()
(عمرُ يقولُ: قد خشيتُ أن يطولَ بالنَّاسِ
زمانٌ حتَّى يقولَ قائلٌ : ما نجدُ الرَّجمَ في كتابِ اللَّهِ ، فيضلُ بتركِ فريضةٍ
أنزلَها اللَّهُ ، ألَا وإنَّ الرَّجمَ حقٌّ علَى مَن زنَى إذا أُحصنَ ، وكانت البَيِّنةُ
، أو كانَ الحبَلُ أوِ الاعترافُ وقد قرأناها (الشَّيخُ
والشَّيخةُ فارجُموهُما البَتَّةَ ) وقد رجمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ
ورجَمْنا بعدَهُ) ()
.
(إيَّاكُم أنْ تَهلِكوا عن آيةِ الرجمِ، وأن يقولَ قائلٌ: لا نجِدُ حدَّينِ في كتابِ اللهِ؛ فقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجَمَ، ورجَمْنا بعدَه.) ()
(عن يحيى بنِ سَعيدٍ،
أنَّهُ سمعَ سعيدَ بنَ المسيِّبِ، يقولُ: لمَّا صدرَ عمرُ بنُ الخطَّابِ من منًى أَناخَ
بالأبطحِ، ثمَّ كوَّمَ كومةً مِن بطحاءِ ثمَّ طرحَ عليها رداءَهُ، ثمَّ استلقى ومدَّ
يديهِ إلى السَّماءِ، فقالَ: اللَّهمَّ كبُرَتْ سنِّي، وضعُفَتْ قوَّتي، وانتشَرَت
رعيَّتي، فاقبِضني إليكَ غيرَ مُضيِّعٍ ولا مُفرِّطٍ، ثمَّ قدمَ المدينةَ في عقِب ذي
الحجَّةِ فخطبَ النَّاسَ، فقالَ: أيُّها النَّاسُ قد سُنَّت لَكُمُ السُّننُ وفُرِضَت
لَكُمُ الفرائضُ، وتُرِكْتُمْ على الواضحةِ، إلَّا أن تَضلُّوا بالنَّاسِ يمينًا وشِمالا،
وصفَّق إحدَى يديهِ على الأُخرى ثم قالَ: إيَّاكم أن تَهْلِكوا عَن آيةِ
الرَّجمِ أن يقولَ قائلٌ: لا نجدُ حدَّينِ في كِتابِ اللَّهِ، فقد رَجمَ رسولُ اللَّهِ
صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ورَجَمنا، بعدَهُ فوالَّذي نفسي بيدِهِ لولا أن يقولَ
النَّاسُ زادَ ابنُ الخطَّابِ في كتابِ اللَّهِ، لَكَتبتُها: بيَدي الشَّيخُ والشَّيخةُ
فارجُموهما البتَّةَ وإنَّا قَد قرأناها. قالَ مالِكٌ: قالَ
يحيى بنُ سعيدٍ، قالَ: سعيدُ فما انسَلخَ ذو الحجَّةِ حتَّى قُتِلَ عمرُ رضيَ اللَّهُ
عنهُ) ().
(لَمَّا صَدَرَ عُمرُ
بنُ الخَطَّابِ مِن مِنًى أَناخَ بالأَبْطَحِ، ثُمَّ كَوَّمَ كُومَةً بَطْحاءَ، ثُمَّ
طَرَحَ عليها رِداءَهُ واستَلْقَى، ثُمَّ مَدَّ يديْهِ إلى السَّماءِ، فقال: اللَّهُمَّ
كَبِرَتْ سِنِّي، وضَعُفَتْ قُوَّتي، وانتشرَتْ رَعِيَّتي، فاقبِضْني إليكَ غيرَ
مُضَيِّعٍ ولا مُفَرِّطٍ. ثُمَّ قَدِمَ المدينةَ،
فخَطَبَ النَّاسَ، فقال: أيُّها النَّاسُ، قد سُنَّتْ لكُمُ السُّنَنُ، وفُرِضَتِ الفرائِضُ،
وتُرِكْتُمْ
على الواضِحةِ، إلَّا أنْ تَضِلُّوا بالنَّاسِ يمينًا وشِمالًا، وضَرَب بإحْدَى يديْهِ على الأُخرى، ثُمَّ قال: إيَّاكُمْ أنْ تَهْلِكوا
عن آيةِ الرَّجْمِ، أنْ يَقولَ قائِلٌ: لا نَجِدُ حَدَّيْنِ في كتابِ اللهِ،
فقد رَجَمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد رَجَمْنا، والَّذي نفْسِي بيدِهِ
لولا أنْ يَقولَ النَّاسُ: زادَ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ في كِتابِ اللهِ، لَكَتَبْتُها: الشَّيْخُ والشَّيْخةُ فارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ؛ فإنَّا قد قَرَأْناهَا. قال مالِكٌ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: قال سعيدُ بنُ
المُسَيِّبِ: فما انسَلَخَ ذُو الحِجَّةِ حتَّى قُتِلَ عُمرُ رحِمَه اللهُ.) (الراوي : عمر بن الخطاب ، المحدث : ابن عبدالبر ، المصدر : التمهيد، الصفحة أو الرقم:
23/92 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح).
(قَدِمَ على أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مالٌ مِنَ البَحرَيْنِ فقالَ: مَن كان له على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِدةٌ فليَأتِ فليَأخُذْ. قال: فجاءَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ فقالَ: قد وَعَدَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: إذا جاءَني مِنَ البَحرَيْنِ مالٌ أعطَيتُكَ هكذا وهكذا. ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِلءَ كَفَّيْه. قال: خُذْ بيَدَيْكَ. فأخَذَ بيَدَيْه، فوَجَدَ خَمسَ مِئةٍ. قال: عُدْ إليها. ثم أعطاهُ مِثلَها، ثم قَسَمَ بَينَ الناسِ ما بَقيَ فأصابَ عَشَرةَ الدَّراهِمِ، يَعني لِكُلِّ واحِدٍ، فلَمَّا كانَ العامُ المُقبِلُ جاءَه مالٌ أكثَرُ مِن ذاك، فقَسَمَ بَينَهم، فأصابَ كُلَّ إنسانِ عِشرينَ دِرهمًا، وفَضَلَ مِنَ المالِ فَضلٌ، فقالَ لِلنَّاسِ: أيُّها الناسُ، قد فَضَلَ مِن هذا المالِ فَضلٌ، ولكم خَدَمٌ يُعالِجونَ لكم، ويَعمَلونَ لكم، إنْ شِئتُمْ رَضَخْنا لهم. فرَضَخَ لهم خَمسةَ الدَّراهِمِ خَمسةَ الدَّراهِمِ. فقالوا: يا خَليفةَ رَسولِ اللهِ، لو فَضَّلتَ المُهاجِرينَ؟ قال: أجْرُ أولئك على اللهِ، إنَّما هذه مَعايِشُ، الأُسوةُ فيها خَيرٌ مِنَ الأثَرةِ. فلَمَّا ماتَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه استُخلِفَ عُمَرُ، ففُتِحَ عليه الفُتوحُ، فجاءَه أكثَرُ مِن ذلك المالِ، فقالَ: قد كانَ لِأبي بَكرٍ في هذا المالِ رَأيٌ، ولي رَأيٌ آخَرُ، لا أجعَلُ مَن قاتَلَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كمَن قاتَلَ معه. ففَضَّلَ المُهاجِرينَ والأنصارَ، ففَرَضَ لِمَن شَهِدَ بَدرًا منهم خَمسةَ آلافٍ، ومَن كانَ إسلامُه قَبلَ إسلامِ أهلِ بَدرٍ فَرَضَ له أربَعةَ آلافٍ أربَعةَ آلافٍ، وفَرَضَ لِأزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اثنَي عَشَرَ ألْفًا، لِكُلِّ امرَأةٍ منهُنَّ، إلَّا صَفيَّةَ وجُوَيريةَ، فَرَضَ لِكُلِّ واحِدةٍ سِتَّةَ آلافٍ سِتَّةَ آلافٍ، فأبَيْنَ أنْ يَأخُذْنَها، فقالَ: إنَّما فَرَضتُ لَهُنَّ بالهِجرةِ. قُلنَ: ما فَرَضتَ لهُنَّ بالهِجرةِ، إنَّما فَرَضتَ لهُنَّ لِمَكانِهِنَّ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولنا مِثلُ مَكانِهِنَّ. فأبصَرَ ذلك فجَعَلَهُنَّ سَواءً مِثلَهُنَّ، وفَرَضَ لِلعبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ اثنَيْ عَشَرَ ألْفًا؛ لِقَرابَتِه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفَرَضَ لِأُسامةَ بنِ زَيدٍ أربَعةَ آلافٍ، وفَرَضَ لِلحَسَنِ والحُسَينِ خَمسةَ آلافٍ خَمسةَ آلافٍ، فألحَقَهما بأبيهما؛ لِقَرابَتِهما مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفَرَضَ لِعَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ثلاثةَ آلافٍ، فقالَ: يا أبةِ، فَرَضتَ لِأُسامةَ أربَعةَ آلافٍ وفَرَضتَ لي ثَلاثةَ آلافٍ، فما كانَ لِأبيه مِنَ الفَضلِ ما لم يَكُنْ لكَ، وما كان له مِنَ الفَضلِ ما لم يَكُنْ لي. فقالَ: إنَّ أباه كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أبيكَ، وهو كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنكَ. وفَرَضَ لِأبناءِ المُهاجِرينَ والأنصارِ مِمَّن شَهِدوا بَدرًا ألفَيْنِ ألفَيْنِ، فمَرَّ به عُمَرُ بنُ أبي سَلَمةَ، فقالَ: زيدوه ألْفًا. أو قالَ: زِدْه ألْفًا يا غُلامُ. فقال مُحمدُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ جَحشٍ: لِأيِّ شَيءٍ تَزيدُه علينا؟ ما كانَ لِأبيه مِنَ الفَضلِ ما لم يَكُنْ لِآبائِنا. فقالَ: فَرَضتُ له بأبي سَلَمةَ ألفَيْنِ، وزِدتُه بأُمِّ سَلَمةَ ألْفًا؛ فإنْ كانت لكَ أُمٌّ مِثلُ أُمِّه زِدتُكَ ألْفًا. وفَرَضَ لِأهلِ مَكةَ ثَمانَ مِئةٍ ثَمانَ مِئةٍ، وفَرَضَ لِعُثمانَ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُثمانَ، وهو ابنُ أخي طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، يَعني عُثمانَ بنَ عَبدِ اللهِ ثَمانَ مِئةٍ، وفَرَضَ لابنِ النَّضرِ بنِ أنَسٍ ألْفَيْ دِرهمٍ، فقال طَلحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ: جاءَكَ ابنُ عُثمانَ مِثلُه ففَرَضتَ له ثَمانَ مِئةٍ، وجاءَكَ غُلامٌ مِنَ الأنصارِ ففَرَضتَ له ألفَيْنِ؟ فقالَ: إنِّي لَقيتُ أبا هذا يَومَ أُحُدٍ فسألني عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلتُ: ما أُراهُ إلَّا قد قُتِلَ. فسَلَّ سَيفَه وكَسَرَ زِندَه وقالَ: إنْ كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد قُتِلَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموتُ، فقاتَل حتى قُتِلَ، وهذا يَرعى الغَنَمَ، أفتُريدونَ أنْ أجعَلَهما سَواءً. فعَمِلَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه عُمُرَه بهذا، حتى إذا كانَ مِن آخِرِ السَّنةِ التي حَجَّ فيها قال ناسٌ مِنَ الناسِ: لو قد ماتَ أميرُ المُؤمِنينَ أقَمْنا فُلانًا. يَعنونَ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ، وقالوا: كانت بَيعةُ أبي بَكرٍ فَلتةً. فأرادَ أنْ يَتكَلَّمَ في أوسَطِ أيَّامِ التَّشريقِ بمِنًى، فقالَ له عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ: إنَّ هذا المَجلِسَ يَغلِبُ عليه غَوغاءُ الناسِ، وهم لا يَحتَمِلونَ كَلامَكَ، فأمهِلْ، أو أخِّرْ حتى تَأتيَ أرضَ الهِجرةِ وحيث أصحابُكَ ودارُ الإيمانِ والمهاجِرينَ والأنصارِ، فتَتكَلَّمَ بكَلامِكَ أو تَتكَلَّمَ فيُحمَلَ كَلامُكَ. قال: فأسرَعَ السَّيرَ حتى قَدِمَ المَدينةَ، فخَرَجَ يَومَ الجُمُعةِ فحَمِدَ اللهَ وأثْنى عليه، ثم قال: قد بَلَغَني مَقالةُ قائِلِكم: لو قد ماتَ عُمَرُ -أو لو قد ماتَ أميرُ المُؤمِنينَ- أقَمْنا فُلانًا فبايَعْناه، وكانت إمارةُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه فَلتةً -أجَلْ واللهِ، لقدْ كانتْ فَلتةً- ومِن أينَ لنا مِثلُ أبي بَكرٍ نَمُدُّ أعناقَنا إليه كما نَمُدُّ أعناقَنا إلى أبي بَكرٍ، وإنَّ أبا بَكرٍ رأى رَأيًا ورَأيتُ أنا رَأيًا، فرَأى أبو بَكرٍ أنْ يَقسِمَ بالسَّويَّةِ، ورَأيتُ أنا أنْ أُفَضِّلَ، فإنْ أعِشْ إلى هذه السَّنةِ، فسَأرجِعُ إلى رَأيِ أبي بَكرٍ؛ فرَأيُه خَيرٌ مِن رَأيي، إنِّي قد رأيتُ رُؤيا، وما أُرى ذلك إلَّا عِندَ اقتِرابِ أجَلي، رأيتُ أنَّ ديكًا أحمَرَ نَقَرَني ثَلاثَ نَقَراتٍ، فاستَعبَرتُ أسماءَ فقالت: يَقتُلُكَ عَبدٌ أعجَميٌّ. فإنْ أهلِكْ؛ فإنَّ أمْرَكم إلى هؤلاءِ السِّتَّةِ الذين تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو عنهم راضٍ: عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وعلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ، وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، والزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، وطَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، وسَعدِ بنِ مالِكٍ، وإنْ عِشتُ فسأعهَدُ عَهدًا لا تَهلِكوا، ألَا ثم إنَّ الرَّجمَ قد رَجَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَجَمْنا بَعدَه، ولولا أنْ يَقولوا: كَتَبَ عُمَرُ ما ليس في كِتابِ اللهِ لَكَتَبتُه، قد قَرَأْنا في كِتابِ اللهِ: (الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما ألْبَتَّةَ نَكالًا مِنَ اللهِ واللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ). نَظَرتُ إلى العَمَّةِ
وابنةِ
الأخِ
فما
جَعَلتُهما وارِثَتَيْنِ ولا يَرِثا، وإنْ أعِشْ فسأفتَحُ لكم منه طَريقًا تَعرِفونَه، وإنْ أهلِكْ فاللهُ خَليفَتي، وتَختارونَ رَأيَكم، إنِّي قد دَوَّنتُ الدِّيوانَ، ومَصَّرتُ الأمصارَ، وإنَّما أتخَوَّفُ عليكم أحَدَ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ تَأوَّلَ القُرآنَ على غَيرِ تَأويلِه فيُقاتِلُ عليه، ورَجُلٍ يَرى أنَّه أحَقُّ بالمُلكِ مِن صاحِبِه، فيُقاتِلُ عليه. تَكَلَّمَ بهذا الكَلامِ يَومَ الجُمُعةِ، وماتَ رَضيَ اللهُ عنه يَومَ الأربِعاءِ.) ().
(قال عمرُ قد خشيتُ
أن يَطولَ بالناسِ زمانٌ حتى يقولَ القائلُ ما نجدُ الرَّجْمَ في كتابِ اللهِ فيَضلُّوا
بتركِ فريضةٍ أَنزلَهَا اللهُ ألا وإنَّ الرَّجْمَ حقٌّ إذا أُحْصِنَ أو قامتْ البَيِّنَةُ
أو كان حملٌ أو اعترافٌ وقد قرأتُها الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ . . . الحديثُ رَجَمَ
رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورَجَمْنَا بعدَهُ) ().
(قَالَ عُمَرُ: لقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بالنَّاسِ زَمَانٌ، حتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللَّهُ، ألَا وإنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ علَى مَن زَنَى وقدْ أحْصَنَ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كانَ الحَبَلُ، أوْ الِاعْتِرَافُ -قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ- ألَا وقدْ رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجَمْنَا
بَعْدَهُ.) ()
شرح
الحديث: كان فيما أُنزلَ مِنَ القرآنِ: (والشَّيْخُ
وَالشَّيخةُ إذا زَنَيَا فارْجُموهما)، ثم نُسِختْ هذه الآيةُ ورُفِعتَ تِلاوتُها،
ولكنْ بقي حكمُها معمولًا به، وقد ثَبتَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أقامَ حدَّ
الرجمِ، وفي هذا الحديثِ يُحذِّرُ عمرُ بنُ الخطّابِ رضِي اللهُ عنه مِنْ أنْ
يأتِيَ أحدٌ بعدَ تَطاوُلِ الزَّمانِ فيقولَ: إنَّ الرَّجمَ ليسَ موجودًا في كتابِ
اللهِ تعالى، فيكونَ ذلك سببًا في ضلالِه؛
لأنَّه بذلكَ يكونُ قد تركَ فريضةً فرضَها اللهُ، وثَبتتْ بِسنَّةِ النَّبِيِّ صلَّى
الله عليه وسلَّم؛ فقد فعلَها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفعلَها الصحابةُ
رضوانُ اللهِ عليهم مِن بعده، ثم يُبيِّنُ عُمرُ رضِي اللهُ عنه أن حُكمَ الزِّنا يَثبُتُ
على الْمُحصَنِ وهو الْمتزوِّج بِالبينِّةِ، وهي شهادةُ الشُّهودِ أو بِظُهورِ الحبَلِ
على المرأةِ الْمَزنِيِّ بها وهي غيرُ متزوِّجةٍ، أو بِاعترافِ مُرتكبِ الزِّنا، ثمَّ
قال عمرُ: ألَا وقدْ رَجمَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورجمْنَا بعدَه.
(عن أُبيِّ بنِ كعبٍ قال قرأتُ
في سورةِ الأحزابِ الشيخُ والشيخةُ فارجُموهما البتَّةَ) ().
(عن زِرِّ بنِ حُبيشٍ
قال قال لي أُبيُّ بنُ كعبٍ كم تعُدُّونَ سورةَ الأحزابِ قال قلتُ ثلاثًا وسبعينَ قال
فوالَّذي يحلفُ به أُبيٌّ إن كانت لتعدِلُ سورةَ البقرةِ أو أطولَ لقد قرأْنا فيها
آيةَ الرجمِ الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّة نكالًا من اللهِ واللهُ
عزيزٌ حكيمٌ) (الراوي : زر بن حبيش ،
المحدث : ابن جرير الطبري ، المصدر : مسند عمر، الصفحة أو الرقم: 2/874 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح)
(قال أُبيٌّ كم تَعُدُّون
سورةَ الأحزابِ قال قلتُ ثلاثًا وسبعينَ آيةً قال إن كانت لتُضارِعُ سورةَ البقرةِ
وإن كان فيها آيةُ الرجمِ إذا زنى الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّة)
(الراوي : زر بن حبيش ، المحدث : ابن جرير الطبري ، المصدر : مسند عمر، الصفحة أو الرقم:
2/873 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
(عن أُبيِّ بنِ كعبٍ
أنه سأل عن سورةِ الأحزابِ قال فقال نعدُّها ثلاثًا وسبعين آيةً فقال أُبيٌّ فوالّذي
أنزل الكتابَ على محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إن كانت لَتُوازِي سورةَ البقرةِ
أو هي أطولُ من سورةِ البقرةِ وإن كان فيها لآيةُ الرجمِ قال قلتُ وما آيةُ الرجمِ
يا أبا المُنذرِ قال الشيخُ والشيخةُ فارجُموهما البتَّة) (الراوي : زر بن حبيش، المحدث : ابن جرير الطبري ، المصدر : مسند عمر، الصفحة أو الرقم:
2/873 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
(قال لي أُبيٌّ كم
تَعُدُّون سورةَ الأحزابِ قال قلتُ ثلاثًا وسبعينَ قال قد كانت تُوازي سورةَ البقرةِ
وقد كنا نقرأُ فيها آيةَ الرَّجمِ الشيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّةَ
نَكالًا من اللهِ واللهُ عزِيزٌ حَكيمٌ) (الراوي : زر بن حبيش ، المحدث : ابن جرير الطبري ، المصدر
: مسند عمر، الصفحة أو الرقم: 2/873 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
(عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ قال: كانت سورةُ الأحزابِ توازي
سورةَ البقرةِ فكان فيها: الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زنَيا فارجُموهما ألبتَّةَ) (الراوي : زر ، المحدث : ابن حبان ، المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4428 ، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه. الراوي : زر ،
المحدث : الحاكم ، المصدر : المستدرك، الصفحة أو الرقم:
3/189 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد).
(قال لي أبي بنُ كعبٍ
كم تَعدونَ سورةَ الأحزابِ ؟ قلْتُ : إمَّا ثلاثًا وسبعينَ آيةً أو أربعًا وسبعينَ
آيةً قال : إن كانَتْ لتُقارنُ سورةَ البقرةِ أو لهيَ أطولُ منها وإن كان فيها لآيةُ
الرجمِ قلْتُ : أبا المنذرِ وما آيةُ الرجمِ قال : إذا زنى الشيخُ والشيخةُ فارجُموهما
البتَّةَ نكالًا منَ اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) (الراوي : زر بن حبيش ، المحدث: ابن حزم ، المصدر : المحلى، الصفحة أو الرقم: 11/235 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح كالشمس).
(قالَ لي أُبَيُّ بنُ
كَعبٍ : كأَيِّنْ تقرأُ سورةَ الأحزابِ أو كأَيِّنْ تَعُدُّها ؟ قالَ قُلتُ : ثَلاثًا
وسبعينَ آيةً ، فقالَ : قطُّ لقَد رأيتُها وإنَّها لتُعادِلُ سورةَ البقَرةِ ولقَد
قَرأْنا فيها : الشَّيخُ والشَّيخةُ
إذا زَنَيا فارْجُموهُمَا البتَّةَ نكالًا مِن اللهِ واللهُ عَليمٌ حكيمٌ) (الراوي : زر بن حبيش ، المحدث : ابن كثير ، المصدر : تفسير القرآن، الصفحة
أو الرقم: 6/376 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن).
(لقيتُ أُبَيَّ بنَ
كعبٍ فقُلْتُ له: إنَّ ابنَ مسعودٍ كان يحُكُّ المُعوِّذتينِ مِن المصاحفِ ويقولُ:
إنَّهما ليستا مِن القرآنِ فلا تجعَلوا فيه ما ليس منه قال أُبَيٌّ: قيل لرسولِ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال لنا فنحنُ نقولُ كم تعُدُّونَ سورةَ الأحزابِ مِن آيةٍ
؟ قال: قُلْتُ: ثلاثًا وسبعينَ قال أُبَيٌّ: والَّذي يُحلَفُ به إنْ كانت لَتعدِلُ
سورةَ البقرةِ ولقد قرَأْنا فيها آيةَ الرَّجمِ: الشَّيخُ والشَّيخةُ فارجُموهما ألبتَّةَ نَكالًا
مِن اللهِ واللهُ عزيزُ حكيمٌ) (الراوي:
أبي بن كعب ، المحدث : ابن حبان ، المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة
أو الرقم: 4429 ، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه).
(عَن أُبَيِّ بنِ كعبٍ
رضيَ اللَّهُ عنهُ قال : كَم تعدُّونَ سورَةَ الأحزابِ ؟ قال : قلتُ : ثِنتينِ أو ثلاثًا
وسبعينَ آيةً ، قال : كانَت تُوازي سورةَ البقرَةِ أو أكثَرَ ، وكنَّا نقرَأُ فيها
الشَّيخُ والشَّيخَةُ إذا زنَيا فارجُموهُما البتَّةَ نكالًا منَ اللَّهِ) (الراوي : أبي بن كعب ، المحدث : ابن حجر العسقلاني ، المصدر : موافقة الخبر الخبر، الصفحة
أو الرقم: 2/304 ، خلاصة حكم المحدث : حسن).
(عن زِرٍّ قال قال
لي أُبَيُّ بنُ كعبٍ كائنٌ تقرأُ سورةَ الأحزابِ أو كائنٌ تعدُّها قال قلتُ ثلاثًا
وسبعينَ آيةً قال قطُّ لقد رأيتُها وإنَّها لتُعادلُ سورةَ البقرةِ ولقد قرأْنَا فيها
الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ . . . وزادَ نَكالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الراوي : أبي بن كعب ، المحدث : الألباني ، المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة
أو الرقم: 6/975 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
(الشَّيخُ والشَّيخةُ
فارجُموهما البتَّةَ) ()
(الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهُما البتةَ
نَكالًا منَ اللهِ ورسولِه) ()
(إذا زنى الشيخُ والشيخةُ فارجُموهما البتةَ
قال عمرُ: لما نزلَتْ أتيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقلْتُ
اكتبْنيها قال شعبةُ كأنَّهُ كرهَ ذلك فقال عمرُ : ألا تَرى أن الشيخَ إذا لم
يُحصنْ جُلِدَ وأن الشابَّ إذا زنى وقد أُحصنَ رُجِمَ)
()
(كان ابنُ العاصِ وزيدُ
بنُ ثابتٍ يكتبانِ المصاحفَ فمرُّوا على هذهِ الآيةِ فقال زيدٌ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ . . . الحديثُ فقال عمرُ لمَّا أُنزلتْ هذهِ أتيتُ رسولَ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ أَكْتِبنِيها قال شُعبةُ فكأنَّهُ كرِهَ ذلكَ
فقال عمرُ ألا ترى أنَّ الشيخَ إذا لم يُحْصَنَ جُلِدَ وأنَّ الشابَّ إذا زَنَى وقد
أُحْصِنَ رُجِمَ) (الراوي
: زيد بن ثابت ، المحدث : الألباني ، المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 6/974 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح)
(الشيخُ والشيخةُ إذا
زَنَيا فارْجُموهُما البَتَّةَ، فقال عُمَرُ: لمَّا أُنزِلَتْ أتَيْتُ رسولَ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْتُ: أكْتِبْنيها، قال شُعْبةُ: فكأنَّه كَرِهَ ذلك،
فقال عُمَرُ: ألَا تَرى أنَّ الشيخَ إذا لم يُحصَنْ جُلِدَ، وأنَّ الشابَّ إذا زَنى
وقد أحصَنَ رُجِمَ.) (الراوي : زيد بن ثابت ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج المسند، الصفحة
أو الرقم: 21596 ، خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات
أنظر الحاشية لرواية العجماء الأنصارية خالة
أبي أمامة بن سهل ().
(لمَّا صدَرَ عمرُ رضِيَ اللهُ عنه عن منًى، أناخَ
بالأبطحِ، ثمَّ كوَّمَ كومةً مِن البطحاءِ، ثمَّ ألقى نَفْسَه عليه، فلزِقَ ثوبُه واستلْقى، ومَدَّ يَدَه
إلى السَّماءِ، فقال: اللَّهُمَّ ضعُفَتْ قُوَّتي، وكبِرَتْ سِنِّي، وانتشَرَت رَعيَّتي،
فاقبِضْني إليك غيرَ مُضيِّعٍ، ولا مُفرِّطٍ. ثمَّ قدِمَ المدينةَ، فخطَبَ النَّاسَ
فقال: أيُّها النَّاسُ، إنِّي قد سَننْتُ لكم السُّننَ، وفرضْتُ لكم الفرائضَ، وتركْتُكم
على واضحةٍ -وصفَّقَ يحيى بيَدَيْه- إلَّا أنْ تضِلُّوا بالنَّاسِ يمينًا وشمالًا،
ثمَّ
إيَّاكم ألَّا تَهلِكوا عن آيةِ الرَّجمِ، أنْ يقولَ قائلٌ: لا نَجِد حدًّا يُرَى في كتابِ اللهِ؛ فقد رأيْتُ رسولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجَمَ ورجَمْنا، والَّذي نفْسُ عمرَ بيَدِه، لولا
أنْ يقولَ النَّاسُ: أحدَثَ عمرُ في كتابِ اللهِ، لكتبْتُها، فإنا قد قرَأْنا: (الشَّيخُ
والشَّيخةُ فارجُموهما البتَّةَ). قال سعيدٌ: فما انسلَخَ ذو
الحِجَّةِ حتَّى قُتِلَ عمرُ رضِيَ اللهُ عنه.) ().
(حديثُ عُمَرَ: الشَّيخُ
والشَّيخَةُ إذا زَنَيا فاجلِدوهُما البَتَّةَ) (الراوي : - ، المحدث : ابن حجر العسقلاني ، المصدر : فتح الباري لابن حجر،
الصفحة أو الرقم: 8/682 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح).
(قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ
: لقد خَشيتُ أن يطولَ بالنَّاسِ زمانٌ حتَّى يقولَ قائلٌ : ما أجدُ الرَّجمَ في كتابِ
اللَّهِ ، فيضلُّوا بتركِ فريضةٍ من فَرائضِ اللَّهِ ، ألا وإنَّ الرَّجمَ حقٌّ ، إذا
أُحْصِنَ الرَّجلُ وقامتِ البيِّنةُ ، أو كانَ حَملٌ أوِ اعترافٌ ، وقد قرأتُها الشَّيخُ
والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّةَ رجمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ
وسلَّمَ ورجَمنا بَعدَهُ) (الراوي
: عبدالله بن عباس ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح ابن ماجه، الصفحة أو الرقم: 2083 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح ، انظر شرح
الحديث رقم 11775 ).
لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا
بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ
الجماعةَ
(لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مُسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: النَّفسِ بالنَّفسِ، والثَّيِّبِ الزَّاني، والتَّاركِ دِينَه المُفارقِ -أو الفارقِ- الجَماعةَ.) ()
(لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ، إلَّا رَجُلٌ قتَلَ فقُتِلَ، أو رَجُلٌ زَنَى بَعدَما أُحصِنَ، أو رَجُلٌ ارتَدَّ بَعدَ إسلامِه.) ()
(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا
اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ
لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي
: عبدالله بن مسعود ، المحدث : ابن حبان ، المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ).
(لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ .
. فذكَر منهم : الثيِّبَ الزانيَ)
(الراوي : عبدالله بن مسعود،
المحدث: البيهقي ، المصدر : السنن الصغير للبيهقي،
الصفحة أو الرقم: 3/293 ، خلاصة حكم المحدث : ثابت)
(لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ
يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلا بإِحدَى ثلاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي
والنَّفسُ بالنَّفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : أحمد شاكر ، المصدر : مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 6/64 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح)
(لا يَحِلُّ دمُ امرىءٍ
مسلِمٍ يشهَدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّهُ ، وأنِّي رسولُ اللَّهِ ، إلَّا بإحدى ثلاثٍ
: الثَّيِّبِ الزَّاني
، والنَّفسِ بالنَّفسِ ، والتَّارِكِ لدينِه المفارقِ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة
أو الرقم: 1402 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)
(لا يَحِلُّ دمُ امريءٍ
مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني
والنفسُ بالنفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة
أو الرقم: 893 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)
(لا يَحِلُّ دَمُ امريءٍ
مسْلِمٍ يشهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : الثيبُ الزانِي
والنفسُ بالنفْسِ، والتارِكُ لدينِهِ المفارِقُ للجماعَةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة
أو الرقم: 60 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين )
(لا يَحِلُّ دَمُ امرِيءٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله
إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني ، والنفسُ بالنفسِ ، والتارِكُ
لدينِه ، والمُفَارِقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 7643 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)
(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ
مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني
والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج صحيح ابن حبان،
الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرطهما)
(لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ
يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدى ثلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني،
والنَّفْسِ بالنَّفْسِ، والتَّاركِ لدِينِه المُفارقِ للجَماعةِ.) (الراوي : عبد الله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج المسند، الصفحة
أو الرقم: 4065 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)
الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ
(كانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إلى أخِيهِ سَعْدٍ: أنَّ ابْنَ ولِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فاقْبِضْهُ إلَيْكَ، فَلَمَّا كانَ عامَ الفَتْحِ أخَذَهُ سَعْدٌ، فقالَ: ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقامَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ، فقالَ: أخِي وابنُ ولِيدَةِ أبِي، وُلِدَ علَى فِراشِهِ، فَتَساوَقا إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ سَعْدٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، ابنُ أخِي، قدْ كانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فقالَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ: أخِي وابنُ ولِيدَةِ أبِي، وُلِدَ علَى فِراشِهِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هو لكَ يا عبدُ بنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ ثُمَّ قالَ لِسَوْدَةَ بنْتِ زَمْعَةَ: احْتَجِبِي منه لِما رَأَى مِن شَبَهِهِ بعُتْبَةَ، فَما رَآها حتَّى لَقِيَ اللَّهَ.) ().
"الولَدُ للفِراشِ"، أي: إنَّ المولودَ يُنسَبُ لصاحبِ
الفراشِ وهو أبوه، "وللعاهِرِ
الحجَرُ"،
أي: وللزَّاني (المسلم المحصن) الرَّجمُ
بالحجَرِ.
المبحث الثالث: سؤال
يجيب عليه فضيلة الشيخ ابن عثيمين ()
وجه سؤال لفضيلة
الشيخ متعلق بمضمون خطبة عمر بن الخطاب: (إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب،
فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم
في كتاب الله. فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى. إلى
آخر الخطبة).
الفرع الأول: جواب الشيخ ابن عثيمين
هذا الحديث الذي ذكره
السائل عن عمر رضي الله عنه ثابت عنه في الصحيحين، وأن الآية نزلت في كتاب الله وقرأها
الصحابة ووعوها وحفظوها، وطُبقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء بعده،
وهي حق بلا شك، لكن هذه الآية مما نُسخ لفظه وبقي معناه. وقد ذكر أهل العلم
أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر
ما وقع في القرآن. والثاني ما نسخ لفظه وبقي حكمه. والثالث ما نسخ لفظه وحكمه. فمثال
الأول (ما نسخ حكمه وبقي لفظه) قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا
مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الأنفال: 65)، ثم
قال بعدها ناسخاً لها: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ
وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 66) فهذا نُسخ حكمه وبقي لفظه تذكيراً للأمة
بما أنعم الله عليهم من التخفيف، وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته. أما القسم الثاني
وهو ما نسخ لفظه وبقي حكمه فمثل هذه الآية -آية الرجم- ، فإن حكمها باقٍ إلى يوم
القيامة، وكانت مقروءة وموجودة لكن نسخ لفظها.
والحكمة في نسخ لفظها -والله أعلم- بيان فضل هذه الأمة على الأمة اليهودية التي حاولت
أن تكتم ما كان موجوداً في كتابها وهو آية الرجم حينما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم يستفتونه في قضية اليهوديين حينما زنا رجل بامرأة منهم، فجاءوا بالتوراة، ووضع
القارئ يده على آية الرجم حتى قال عبد الله بن سلام: ارفع يدك ().
فقد كان رجم الزاني ثابتاً في التوراة لفظاً وحكماً، ولكن الأمة اليهودية حاولت كتمه
وعدم العمل به. نسخ لفظ التلاوة الذي يثبت
رجم الزاني، لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخاً، مما
يدل على فضل أمة الإسلام وامتثالها لأمر الله عز وجل، وعدم تحايلها على إبطال شريعته.
هذا هو الذي يظهر لي من الحكمة في نسخ لفظها، وإن كان قد روي (عن عمر رضي الله عنه)
أن الحكمة هي أن الآية التي أشار إليها الأخ في السؤال وهي (الشيخ والشيخة إذا
زنيا فارجموهما) لا تطابق الحكم الثابت الآن؛ لأن الحكم الثابت الآن معلق
بالإحصان لا بالشيخوخة، والآية إن صحت (الشيخ والشيخة) تعلق الحكم بالشيخوخة
لا بالإحصان، وبينهما فرق؛ فقد يكون الشيخ غير محصن؛ يعني: لم يتزوج، وبالتالي عليه
الجلدُ ولا يرجم، ومقتضى الآية أن يرجم؛ لأنه شيخ. وقد
يكون المحصن شاباً فيرجم، ومقتضى الآية إن صحت أنه لا يرجم. ولذلك هذه الآية (الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عليم حكيم)
في القلب من صحتها شيء، وإن كانت قد وردت في السنن، وفي المسند، وفي ابن حبان، لكن
في القلب منها شيء؛ لأن حديث عمر رضي الله عنه الذي أشار إلى آية الرجم قال:
وإن الرجم حق ثابت في كتاب الله على من زنا إذا أحصن. فمقتضى هذا اللفظ الثابت في
الصحيحين أن الآيات المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة؛ ولهذا يجب التحرز
من القول بأن الآيات المنسوخة هي بهذا اللفظ؛ أي بلفظ: (الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما ألبتة)، وذلك لأن إثبات أن هذه هي الآيات المنسوخة معناه إثبات
أنها من كلام الله، وكلام الله سبحانه وتعالى حسب الحكم الشرعي الثابت الآن مقيد
بالإحصان لا بالشيخوخة، وهو في الحديث الذي في الصحيحين عن عمر يدل أيضاً على أن
الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة : ((فقال عمرُ ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى وقد أحصنَ جُلِدَ ورجِمَ وإذا
لم يُحصَنْ جُلِدَ وأنَّ الشابَّ إذا زنى وقد أحصَنَ رُجِمَ) ، (ألا وإنَّ
الرَّجمَ حَقٌّ علَى مَن زَنَى وقدْ أحصَنَ، إذا قامَتِ البَيِّنَةُ، أو كان الحَبَلُ
أوِ اِلاعْتِرافُ) ).
يتابع الشيخ ابن
عثيمين قوله: على كل حال في نفسي وفي قلبي شيء من صحة هذا اللفظ؛ أي: لفظ الآية التي
كانت منسوخة وهي أن لفظها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من
الله والله عليم حكيم)، فلا أستطيع أن أجزم بأن هذه هي الآية؛
أي: أن هذا هو لفظها؛ لأنها كما أشرنا إليه لا تطابق الحكم الشرعي الثابت الآن، ولا
تطابق أيضاً الحديث الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة على من زنا إذا أحصن، ففي
القلب من صحتها شيء.... والخلاصة أن قوله (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)
وإن كان مشهوراً ومعروفاً في السنن ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان فإن في نفسي من
صحته شيئاً؛ أولاً لأنه يخالف الحكم الشرعي الثابت؛ إذ الحكم معلق
بالإحصان لا بالشيخوخة. ثانياً أن لفظ حديث عمر
الثابت في الصحيحين ذكر أن الرجم على من زنا إذا أحصن، فمقتضى ذلك أن الآية المنسوخة
تعلق الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، وهذا مما يدل على ضعف هذا الحديث المروي، فيجب التثبت
فيه: (الحديثُ الذي فيه أن لفظَ الآيةِ الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما ألبتةَ
نكالًا من اللهِ، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) (الراوي
، المحدث : ابن عثيمين ، المصدر : الشرح الممتع، الصفحة
أو الرقم: 14/229 ، خلاصة حكم المحدث :
لا يصح).
إذاً هذا القسم الثاني
من المنسوخ ما نسخ لفظه وبقي حكمه. الثالث ما نسخ لفظه وحكمه، يمثل له بحديث عائشة
رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم: كانت مما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن.
فإن هذه العشر نسخت لفظاً وحكماً، ثم استقر الحكم على خمس معلومات.
الفرع الثاني: الحديث الشريف الذي يتوعد
الشَيْخ الزاني
بعد هذه الإشارة لقول الشيخ بن عثيمين (الحكم
معلق بالإحصان لا بالشيخوخة)، أود بيان الحديث الشريف الذي يتوعد الشَيْخ الزاني؛ لأنَّه فعَلَ المعْصيةَ التي فعَلَها معَ بُعدِها مِنه
وضَعفِ دَواعيها عِندَه: (ثلاثة لايكلمهم الله ، شَيْخٌ زانٍ ومَلِكٌ
كذَّابٌ وعائِلٌ مُستَكْبِرٌ).
ثلاثةٌ لا يكلِّمُهمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يُزكِّيهمْ ولهم عذابٌ أليمٌ :
(ثلاثةٌ لا يكلِّمُهمُ اللهُ
يومَ القيامةِ ولا يُزكِّيهمْ ولهم عذابٌ أليمٌ ، أُشَيمِطٌ زانٍ ، وعائلٌ مُستكبِرٌ
، ورجلٌ جعلَ اللهُ بضاعتَهُ لا يَشتري إلا بيمينِهِ ولا يَبيعُ إلا بيمينِهِ) ()
(ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ يومَ القِيامةِ ولا يُزَكِّيهِمْ (
قال أبُو مُعاوِيَةَ : ولا يَنظُرُ إليهِمْ ) ولَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ : شَيْخٌ زانٍ.
ومَلِكٌ كذَّابٌ . وعائِلٌ مُستَكْبِرٌ) (الراوي : أبو هريرة ، المحدث : مسلم ، المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 107 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح
شرح الحديث
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كَثيرًا ما
يُحذِّرُ أصْحابَهُ رضِيَ اللهُ عَنهمْ مِن سَيِّئِ الصِّفاتِ وقَبيحِ الأعْمالِ،
وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم شَديدَ الحِرصِ على كلِّ ما يُقرِّبُهم مِن
الآخِرةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
ثَلاثةُ أنْواعٍ مِن النَّاسِ "لا يُكلِّمُهمُ اللهُ" وهذِهِ عُقوبةٌ
لهمْ على جُرمٍ قدْ وقَعوا فيهِ، "وَلا يَنظُرُ إلَيهمْ"، وهذِه
مُبالَغةٌ في العُقوبةِ؛ فلا ينظُرُ اللهُ إلَيهِم نَظرةَ رَحمةٍ فيَرحمَهُم، "وَلا
يُزَكِّيهمْ"، أي: وَلا يُطهِّرُهم مِن ذُنوبِهم ولا يَغسِلُهم مِن دَناءتِهم
ولا يَغفِرُ لهمْ، "وَلهُمْ عَذابٌ عظيمٌ"،
أي: فَوقَ كلِّ تلكَ العُقوباتِ فَسوفَ يدخِّرُ اللهُ لهمْ عذابًا عَظِيمًا في
الآخِرةِ فيُضاعِفُ علَيهم العُقوبةَ.
أمَّا
الأوَّلُ فهوَ "شَيخٌ زانٍ"، أي: رَجلٌ كَبيرُ السِّنِّ قد وقَعَ في
فاحِشةِ الزِّنا، معَ أنَّهُ قدْ بلغَ مِن الرُّشدِ والعَقلِ وذَهابِ الشَّهوةِ ما
يَردعُ عَن ذلكَ، ولكِنَّه فَعلَ الفاحِشةَ. الحديث لم يشر إلى
الإحصان، وإنما أشار إلى الشيخوخة "شَيخٌ زانٍ". أقول ذلك تعقيباً على كلام الشيخ بن عثيمين: (الآية التي أشار
إليها الأخ في السؤال وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) لا تطابق الحكم
الثابت الآن؛ لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة،
والآية إن صحت (الشيخ والشيخة) تعلق الحكم بالشيخوخة لا بالإحصان، وبينهما فرق؛
فقد يكون الشيخ غير محصن؛ يعني: لم يتزوج، فلا يرجم، ومقتضى الآية أن يرجم؛ لأنه
شيخ.).
أقول: نعم نصُّ الآية
المنسوخة (الشيخ والشيخة) يُعلق الحكم بالشيخوخة، ثمّ استقر
تعلق الحكم الشرعي بالإحصان. وبالتالي في حال صحة
الرواية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) أتساءل
ما إذا كان الأمر ينطوي على نسخ تلاوة بالإظافة إلى تخفيف الحكم وتخصيصه؛ فلا يرجم الشيخُ
الزاني إلا إذا كان محصناً. وبالتالي
فالنسخ هو من النوع الثالث؛ أي ما نسخ لفظه وخُصص
فيه الحكم ليصبح: الجلد للشيخ الزاني غير المحصن، وأما الشيخ المحصن الزاني فعليه
الرجم كما ثبت في السنة النبوية قولاً وفعلا، وهذا الذي كان
يُحكمُ به ويُقضى في عهد الخلافة الراشدة التي امتازت بالإتباع والسير على الهدى
الرباني.
والنَّوعُ الثاني المُستحِقُّ لكلِّ تِلكَ العُقوبةِ هوَ
"مَلِكٌ كذَّابٌ"، أي: مَلِكٌ يَكذِبُ على رَعيَّتِه؛ لأنَّهُ توفَّرتْ
لهُ أسبابُ القُوَّةِ والتَّمكينِ فَليسَ بِحاجةٍ إلى الكذِبِ.
والنوْعُ الثالِثُ المستَحِقُّ لكلِّ تلكَ العُقوبةِ هوَ
"عائِلٌ مُستَكبِرٌ"، أي: فَقيرٌ مُتكبِّرٌ مُختالٌ مُتغطرِسٌ يتكبَّرُ
على الخَلقِ بلا داعٍ ولا رادِعٍ؛ لأنَّ الإنسانَ قدْ يتكَبَّرُ بمالِهِ أو جاهِهِ
وسُلطانِهِ وقوَّتِه، أمَّا الفَقيرُ الذي هو عالةٌ على غَيرِهِ فلا سببَ يجعلُهُ
يتكَبَّرُ، بل كانَ الأَحْرى بهِ التواضُعُ للهِ وبينَ الناسِ. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن الزِّنا والكذِبِ والتكبُّرِ.
وفيه: تَوعُّدُ الشَّيخِ
الزَّاني والملِكِ الكذَّابِ والفَقيرِ المتكبِّرِ بأشدِّ العُقوبةِ؛ لأنَّ كلَّ
واحدٍ مِنهم فعَلَ المعْصيةَ التي فعَلَها معَ بُعدِها مِنه وضَعفِ دَواعيها
عِندَه.
(ثلاثةٌ لا
يُكلِّمُهم اللَّهُ ولا ينظرُ إليْهم يومَ القيامةِ ولا يزَكِّيهم ولَهم عذابٌ
أليمٌ ملِكٌ كذَّابٌ وفقيرٌ مختالٌ وشيخٌ زانٍ) (الراوي : - ، المحدث : ابن تيمية ، المصدر : مجموع الفتاوى،
الصفحة أو الرقم: 18/326 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح )
وللمزيد من طرق هذا الحديث أنظر الحاشية ().
يقول البعض ():
(كيف استساغ المسلمون قبول هذا النص الركيك على أنه آية قرآنية؟ فهي تفتقر إلى بلاغة
القرآن، وليس فيها صفة الإعجاز، ومضمونها غير معقول أبداً. ويشرح وجوه الركاكة في تلك
(الآية) بقوله: "أولاً هي ضعيفة السبك من حيث اللغة، فالشيخ هو كبير السن، والمرأة
العجوز لا يقال لها شيخة في لغة العرب.).
قولهُ الأخير غير صحيح بدليل: جاء في لسان
العرب: ( الشيخ الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب ، وقيل هو شيخ من خمسين
عمره إلى آخره...... والأنثى شَيْخَة) .
فتأنيث شيخ على شيخة صحيح من الناحية اللغوية تمامًا . وقال الليث العجوز المرأة الشيخة. قال وابن هرمة، وابن عجزة: آخر ولد الشيخ
والشيخة ().
ومن اللافت التباين الشاسع بين مناقشة الشيخ
بن عثيمين التي أشير إليها آنفاً؛ والتي أكدت حكم الرجم على
الزاني المحصن، وبين مناقشة هذا البعض المتأخر؛ والذي يبرز إنكاره حكم الرجم على
الزاني المحصن! الشيخ بن عثيمين (رحمه
الله) يناقش بموضوعية وبأسلوب علمي يحفظ فيه لنفسه تميزه العلمي والتأدب العالي مع
ما يراه آية منسوخة: إما بهذا النص أو لربما كما ذكر أن هذه الآية المنسوخة قد تكون
بنص يختلف عن ما هو في أحاديث (الآحاد).
رحم اللهُ الشيخ العالم الجليل ابن عثيمين، وهدى اللهُ زمرة أصحاب الأهواء
الذين ينكرون حدّ الرجم؛ فهم نبوءة عمر الملهم المُحدَّث الذي يرى بنور الله .
الفرع الثالث: بعض المتأخرين ينكرون حدّ
الرجم ولا حجة لهم إلا رفضهم حجية السنة المطهرة
إنكار حدّ الرجم من خلق اليهود وقد يؤدي إلى
الكفر بدليل الحديث الشريف:
(مُرَّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيهوديٍّ مُحمَّمٍ مجلودٍ ، فدعاهم فقال : هكذا تجِدون حدَّ الزَّاني ؟ فقالوا : نعم ! فدعا رجلًا من علمائِهم قال : نشدتُك باللهِ الَّذي أنزل التَّوراةَ على موسَى ، هكذا تجِدون حدَّ الزَّاني في كتابِكم ؟ فقال : اللَّهمَّ لا ! ولولا أنَّك نشدتَني بهذا لم أُخبِرْك ، نجِدُ حدَّ الزَّاني في كتابِنا الرَّجمَ ، ولكنَّه كثرُ في أشرافِنا ، فكنَّا إذا أخذنا الرَّجلَ الشَّريفَ تركناه ، وإذا أخذنا الرَّجلَ الضَّعيفَ ، أقمنا عليه الحدَّ ، فقلنا : تعالَوْا فنجتمِعَ على شيءٍ نُقيمُه على الشَّريفِ والوضيعِ ، فاجتمعنا على التَّحميمِ والجلدِ ، وتركنا الرَّجمَ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : اللَّهمَّ إنِّي أوَّلُ من أحيا أمرَك إذ أماتوه . فأمر به فرُجِم . فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قولِه : يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا إلى قولِه : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ في اليهودِ إلى قولِه : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ في اليهودِ إلى قولِه : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قال : هي في الكفَّارِ كلِّها ، يعني هذه الآيةَ) ()
(مُرَّ
علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا،
فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ
الزَّانِي في كِتَابِكُمْ؟ قالوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِن عُلَمَائِهِمْ،
فَقالَ: أَنْشُدُكَ باللَّهِ الذي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ علَى مُوسَى، أَهَكَذَا
تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي في كِتَابِكُمْ قالَ: لَا، وَلَوْلَا أنَّكَ
نَشَدْتَنِي بهذا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ في أَشْرَافِنَا،
فَكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وإذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا
عليه الحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ علَى شيءٍ نُقِيمُهُ علَى
الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكانَ الرَّجْمِ،
فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ
إنِّي أَوَّلُ مَن أَحْيَا أَمْرَكَ إذْ أَمَاتُوهُ، فأمَرَ به فَرُجِمَ، فأنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الكُفْرِ} إلى قَوْلِهِ {إنْ أُوتِيتُمْ هذا
فَخُذُوهُ} يقولُ: ائْتُوا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فإنْ أَمَرَكُمْ بالتَّحْمِيمِ
وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وإنْ أَفْتَاكُمْ بالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، فأنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى {وَمَن لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} {وَمَن لَمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَن لَمْ يَحْكُمْ
بما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} في الكُفَّارِ كُلُّهَا. وفي رواية: حَدَّثَنَا الأعْمَشُ
بهذا الإسْنَادِ نَحْوَهُ، إلى قَوْلِهِ: فأمَرَ به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلَّمَ فَرُجِمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ما بَعْدَهُ مِن نُزُولِ الآيَةِ.) (الراوي : البراء بن عازب ، المحدث: مسلم ، المصدر: صحيح مسلم ، الصفحة أو الرقم:
1700 ، خلاصة حكم المحدث : ]صحيح[ ).
(مُرَّ
على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَهوديٍّ مُحمَّمٍ مَجلودٍ، فدَعاهم،
فقال: أهكذا تَجِدونَ حَدَّ الزَّاني في كِتابِكم؟ فقالوا: نعمْ، قال: فدعا
رَجُلًا مِن عُلمائِهم، فقال: أنشُدُكَ باللهِ الذي أنزَلَ التَّوراةَ على موسى،
أهكذا تَجِدونَ حَدَّ الزَّاني في كِتابِكم؟ فقال: لا واللهِ، ولَولا أنَّكَ
أنشَدتَني بهذا؛ لم أُخبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّ الزَّاني في كِتابِنا الرَّجمَ،
ولكنَّه كَثُرَ في أشْرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشَّريفَ؛ تَرَكْناه، وإذا
أخَذْنا الضَّعيفَ؛ أقَمْنا عليه الحَدَّ، فقُلنا: تَعالَوا حتى نَجعَلَ شيئًا نُقيمُه
على الشَّريفِ والوَضيعِ، فاجتمَعْنا على التَّحميمِ والجَلدِ، فقال رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحْيا أمْرَكَ إذ
أماتُوه، قال: فأمَرَ به فرُجِمَ، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}،
إلى قَولِه: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يقولونَ: ائْتوا محمَّدًا، فإنْ أفْتاكم
بالتَّحميمِ، والجَلدِ؛ فخُذوه، وإنْ أفْتاكم بالرَّجمِ؛ فاحذَروا، إلى قَولِه: {وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، قال في اليهودِ إلى قَولِه: {وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]، قال: هي في الكفَّارِ كلِّها.) (الراوي : البراء بن عازب ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ،
المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 18525
، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط
الشيخين)
(مُرَّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيهوديٍّ مُحمَّمٍ مجلودٍ
، فدعاهم فقال : هكذا تجِدون حدَّ الزَّاني ؟ فقالوا : نعم ! فدعا رجلًا من علمائِهم
قال : نشدتُك باللهِ الَّذي أنزل التَّوراةَ على موسَى ، هكذا تجِدون حدَّ الزَّاني
في كتابِكم ؟ فقال : اللَّهمَّ لا ! ولولا أنَّك نشدتَني بهذا لم أُخبِرْك ، نجِدُ
حدَّ الزَّاني في كتابِنا الرَّجمَ ، ولكنَّه كثرُ في أشرافِنا ، فكنَّا إذا أخذنا
الرَّجلَ الشَّريفَ تركناه ، وإذا أخذنا الرَّجلَ الضَّعيفَ ، أقمنا عليه الحدَّ، فقلنا
: تعالَوْا فنجتمِعَ على شيءٍ نُقيمُه على الشَّريفِ والوضيعِ ، فاجتمعنا على التَّحميمِ
والجلدِ ، وتركنا الرَّجمَ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : اللَّهمَّ
إنِّي أوَّلُ من أحيا أمرَك إذ أماتوه . فأمر به فرُجِم . فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قولِه
: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا
إلى قولِه : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَاأَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ في اليهودِ إلى قولِه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ في اليهودِ إلى قولِه : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قال : هي في الكفَّارِ كلِّها
، يعني هذه الآيةَ) ()
إلى هؤلاء الذين ينكرون حد الرجم على الزاني
المحصن يمكن القول: احذروا أن تتشبهوا باليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه؛
والذين حاولوا إخفاء النص التوراتي الخاص بحد الرجم. إحذروا أن تصيبكم الآية (وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَاأَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)؛ فقد نزلت في
معرض الحديث عن إنكار اليهود حدّ الرجم على الزاني المحصن.
وأما هذا البعض المتأخر ممن ينكرون جواز النسخ
على الأحكام وبلا دليل؛ بل ينكرونه بدافع الهوى؛ يمكننا القول زعمكم مردود بدليل
الآيات الكريمة: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ
أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
( البقرة 106). (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً
مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا
أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) ( النحل 101). يقول البغوي في تفسيره: (يخبر تعالى عن ضعف عقول
المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم ، وأنه لا يتصور منهم الإيمان وقد كتب عليهم الشقاوة،
وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا للرسول : (إِنَّمَا أَنتَ
مُفْتَرٍ) أي : كذاب، وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء
، ويحكم ما يريد .
وقال مجاهد : (بَدَّلْنَا
آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ) أي : رفعناها وأثبتنا غيرها .
وقال قتادة : هو كقوله
تعالى : (مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) ] البقرة : 106 [.).
إلى هؤلاء الذين ينكرون النسخ يمكن القول:
احذروا تشبهكم هذا باليهود؛ فاليهود فقط هم الذين ينكرون النسخ.
ويقول هذا البعض المتأخر وأحيانا
جهارا على المحطات والفضائيات: إذا أخذنا بلفظ النص (الشيخ والشيخة) فهذا يعني أن
الشاب والشابة المتزوجين إذا زنيا لا يطبق عليهما هذا الحكم لأنه خاص بكبار السن بحسب
منطوق ما دُعي أنه آية. ويتناسى
أصحاب هذا القول أنّ هذا هو السبب الذي قدمه عمر - رضي الله عنه – لعدم كتابته
لهذه الآية في المصحف. هذا ما ذكره عمر
عندما حذّر من أناس قد ينكرون حدّ الرجم في حق الزاني المحصن: (قال زيدٌ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ
الشَّيْخُ وَالشَّيخَةُ فارجُمُوهُما الْبَتَّةَ فقال عمرُ لما أُنزلتْ أتيتُ
النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ أَكْتِبْنيها فكأنه كره ذلك قال فقال
عمرُ ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى وقد أحصنَ جُلِدَ ورجِمَ وإذا لم يُحصَنْ جُلِدَ
وأنَّ الشابَّ إذا زنى وقد أحصَنَ رُجِمَ) (الراوي : عمر بن الخطاب ، المحدث : ابن جرير الطبري ،
المصدر: مسند عمر، الصفحة أو الرقم: 2/870 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح).
ويقول هذا البعض المتأخر جهارا على المحطات
والفضائيات "ما فيه مشكلة إذا أنا لا أومن بالنسخ" . ويقول : "لا بأس أن أنتقد بعض الأحاديث بموضوعيه". وهو في ذات الوقت لا يذكر حديثا واحداً في عرضه
لتفسير آيات القرآن ؛ أللهم إلا أن يكون ذكره للحديث من باب ردّ الحديث لا من أجل
الاستدلال به.
إلى هؤلاء يمكن القول: احذروا أن يصدق بحقكم نبوءة
عمر في الذين ينكرون حد الرجم على الزاني المحصن. بل واحذروا أن يصدق بحقكم نبوءة الرسول عليه
السلام: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ
شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم
فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ،
أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ
كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ).
إلى هؤلاء يمكن القول: هل تعلموا أن اليهود
هم الذين ينكرون النسخ؟! وما ذلك إلا
ليبرروا لأنفسهم عدم الإيمان برسالة القرآن الذي ينسخ ما قبله من الكتب والرسالات.
يقول تعالى: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ
مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم
مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ
بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ
مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ
وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)) (سورة
النساء).
يقول
القرطبي: " والأمر عندنا أن الأمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا
زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها ؛ لأن الرجم لا يتنصف . قال
أبو عمر : ظاهر قول الله عز وجل يقتضي ألا حد على أمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج
، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن ، فكان ذلك زيادة بيان
..... قوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب أي الجلد ويعني بالمحصنات هاهنا الأبكار الحرائر؛ لأن الثيب عليها
الرجم والرجم لا يتبعض ، وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة ؛ لأن الإحصان يكون
بها ؛ كما يقال : أضحية قبل أن يضحى بها
؛ وكما يقال للبقرة : مثيرة قبل أن تثير . وقيل : المحصنات المتزوجات ؛ لأن عليها الضرب
والرجم في الحديث ، والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب . والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر
. وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله
عليه وسلم : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب: 30). فلما
كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد ، وكذلك الإماء لما كانت نعمتهن أقل فعقوبتهن أقل
. ".
الفرع الرابع: العقوبة تجب على قدر النعمة
وممّا يؤكد أنّ العقوبة
تجب على قدر النعمة؛ الآيات
(وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ
الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)) (النساء))
تفسير
الطبري: يقول تعالى ذكره: لو ركنت
إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك؛ (إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ
وَضِعْفَ الْمَمَاتِ). عن ابن عباس ، يعني: ضعف عذاب الدنيا
والآخرة. وعن مجاهد في قول الله (ضِعْفَ الْحَيَاةِ) قال: عذابها (وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) قال: عذاب الآخرة. وعن قتادة (إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ
وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) : أي عذاب الدنيا
والآخرة. وعن قتادة (ضِعْفَ الْحَيَاةِ
وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) قال: عذاب الدنيا وعذاب
الآخرة.
حرمة
مكة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ
عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً
الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) (الحج 25) وهذا من
خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر ، إذا كان عازما عليه ، وإن لم يوقعه ، .....،
ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أهلكهم اللهُ : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن
سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)
(الفيل : 3 - 5 ) ، أي: دمرهم وجعلهم
عبرة ونكالا لكل من أراد البيت بسوء؛ ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببيداءَ من الأرضِ يُخسفُ بأوَّلِهم
وآخرِهم. قالت : قلت : يا رسولَ اللهِ ، كيفَ يُخسفُ بأولِهم وآخرِهم ، وفيهم
أسواقُهم، ومن ليس منهم؟. قال: يُخسفُ بأولِهم وآخرِهم ثم يُبعثون على نيَّاتِهم)
()
المبحث الرابع: شبهات حول حد الرجم على
الزاني المحصن ().
لا
يجوز للمسلم أن يتجرأ على أحكام الشرع الثابتة بالكتاب أو السنَّة ، والواجب عليه
التسليم لما قضى الله ورسوله ولا يعارض ذلك بهوى يسميه اجتهاداً ولا برأي يسميه
مناقشة ، وقد قال الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (النساء: 65) .
حد
الرجم للزاني المحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع ، ولا التفات لرأي الخوارج
والمعتزلة قديما في معارضته ولا التفات لأتباعهم حديثاً ، فلسنا نأخذ ديننا من أهل
البدع والجهل والضلال والتمييع ، وليس ديننا عرضة للنيل منه بما يسمَّى رأياً أو
اجتهاداً أو مناقشة أو تصويتاً .
قال ابن قدامة – في فصل وجوب الرجم على الزاني
المحصن ،
رجلاً كان أو امرأة - : " وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن
بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج
" .
وقال : " ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه
المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى من "
المغني " ( 9 / 39 ) .
وأما آية سورة النور والتي ذكر الله تعالى فيها حد الزاني بأنه مائة جلدة : فإن المقصود به
الزاني غير المحصن من الرجال والنساء ، وليس فيها تعرض للزاني المحصن بذكر أو
إشارة ، ومما يدل على ذلك : تنصيف حد الجلد في حق
الأمَة المتزوجة إذا زنت ، والرجم لا ينصف ،
وقد قال تعالى في حدِّها : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) (النساء: 25) ، فقوله تعالى ( فإذا أُحصِنَّ ) أي : تزوَّجن ( فعليهنَّ نِصْفُ
مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ) أي : الحرائر ، والجلد هو الذي يقبل التنصيف، فالحد مائة جلدة ونصفها خمسون، وأمَّا
الرجم فإنَّه لا يتنصف؛ لأنَّه موت .
هذا هو ظاهر الآية
، وأنها في الزاني غير المحصن ، وأما حكم الزاني المحصن فإن حكمه الرجم بالحجارة
حتى الموت، وقد ذُكر في آية قرآنية نزلت وتليت وعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " إِنَّ
اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ
فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ
زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي
كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ
كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ " رواه البخاري ( 6442 ) ومسلم ( 1691 ) . ولعلّ هذا الحديث يؤكد صحة ما يراه الشيخ بن عثيمين
(رحمه الله) من أنّ الآية المنسوخة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) لا تطابق
الحكم الثابت الآن؛ لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة.
وكلا
الحكمين ناسخ لحكم سابق للزناة – محصنين وغير محصنين – وهذا الحكم السابق المنسوخ
هو الحبس في البيوت. فنسخ حكم حبس الزاني
غير المحصن بآية النور بالجلد ، ونسخ حكم الزاني المحصن بالآية التي جاءت في كلام
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد جاء في السنَّة النبوية ما يؤكد هذين الحكمين
والتفريق بين الزاني المحصن وغير المحصن ، فقد جاءت الإشارة إليه في آية قرآنية أنه يحبس في البيت حتى
يجعل الله له سبيلاً، قال تعالى: ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ
نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لَهُنَّ سَبِيلاً )
النساء/ 15 ، وقد جاء هذا السبيل مبيَّناً في حديث صحيح وهو الرجم بالحجارة للمحصن –
وأكدته الآية القرآنية في كلام عمر - والجلد مائة لغير المحصن – وأكدته آية النور - ، فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(خُذُوا عَنِّي
خُذُوا عَنِّي قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ
سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) (الراوي: عبادة بن
الصامت ، المحدث : مسلم ، المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو
الرقم: 1690 ، خلاصة حكم المحدث: صحيح).
(خُذوا عنِّي خُذوا عنِّي قد جعلَ اللَّهُ لَهُنَّ سبيلًا الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جلدُ مائةٍ ورميٌ بالحجارةِ والبِكْرُ بالبِكْرِ جلدُ مائةٍ ونفيُ سنةٍ) ()
يَحْكِي
عُبادةُ بنُ الصَّامتِ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا أُنزلَ عليه،
أي: الوحيُ كُرِبَ، أي: أصابَه الكَرْبُ لِذلكَ، وتَربَّدَ له وجْهُه، أي: عَلَتْه
غُبرةٌ وتَغيَّرَ البياضُ إلى السَّوادِ؛ وإنَّما حصلَ ذلك لِعظمِ موقعِ الوحْيِ،
قال: فَأُنزلَ عليه ذاتَ يومٍ، فَلقِيَ كذلكَ، فلمَّا سُرِّيَ عنه، أيِ: انْكشفَ
عنه الهمُّ، فقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: خُذوا عنِّي، أي: افْهمُوا وتَعلَّموا
عنِّي، فقدْ جعلَ اللهُ لهنَّ سبيلًا، أي: حدًّا واضحًا في حقِّ المحصَنِ وغيرِه،
وهو بيانٌ لِقولِه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ} إلى قولِه: {أَوْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:
15]، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، أي: حَدُّ زِنَا الثَّيِّبِ
بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، أي: حَدُّ زِنا البِكْرِ بِالبِكْرِ. الثَّيِّبُ جَلْدُ
مئةٍ، ثُمَّ رَجْمٌ بِالحجارةِ: والْجَلْدُ مَنسوخٌ في حقِّهِمَا بِالآيةِ الَّتي
نُسِخَتْ تِلاوتُها وبَقِي حُكْمُها، والْبِكْرُ جَلْدُ مِئةٍ، أي: ضَرْبُ مِئةِ
جَلْدَةٍ لِكلِّ واحدٍ مِنهُما، ثُمَّ نَفْيُ سنةٍ خارِجَ بَلدتِه. في الحديثِ:
بيانُ حدِّ الزَّاني إذا كانَ مُحْصَنًا أو بِكْرًا.
وجوب الأخذ عن الرسول
الكريم: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي)؛ ولا يجوز
الأخذ عن أصحاب الهوى.
وعليه
: فإما أن تُجعل آية النور خاصة في الزاني غير المحصن، أو يقال إنها عامة لكنها
منسوخة في حق المحصن وحده ، إما بالحديث الصحيح في النص على رجم الزاني المحصن ،
أو بالآية التي ذكر عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بمحضرٍ من الصحابةِ نزولها وتلاوتَها
وعملَهم بها .
قال
ابن قدامة – رحمه الله - : " وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح ، وإنما هو تخصيص
، ثم لو كان نسخاً لكان نسخاً بالآية التي ذكرها عمرُ رضي الله عنه "
انتهى من " المغني " ( 10
/ 117 ) .
وأما
قول الصحابي عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه لما سئل " هَلْ رَجَمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ " فقَالَ : نَعَمْ ، ثم
سئل : " بَعْدَمَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ أَمْ قَبْلَهَا ؟ "
قَالَ : لَا أَدْرِي ": فليس فيه حجة لمن قال إن الرجم لم يقع بعد آية النور،
وإنها نص في عموم الزناة ! لأن الصحابي الجليل ابن أبي أوفى قال إنه لا يدري، وهو
لم ينف ولم يثبت شيئاً، وقد ثبت أن الرجم وقع بعد نزول سورة النور؛ فآية
النور نزلت بعد حادثة الإفك، وأبو هريرة رضي الله عنه كان أسلم بعدها ، وقد حضر
إقامة حدِّ الرجم على زانٍ محصن ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
" أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي
الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ
عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَبِكَ جُنُونٌ ؟ ) قَالَ : لَا. قَالَ : ( فَهَلْ أَحْصَنْتَ ) قَالَ : نَعَمْ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اذْهَبُوا بِهِ
فَارْجُمُوهُ ) . قال ابنُ شِهابٍ:
فأخبرني من سمع جابرَ بنَ عبدِ اللهِ قال: فكنتُ فيمن رجمَه، فرجمناه بالمصلى،
فلما أذلقته الحجارةُ هَرِبَ، فأدركناه بالحَرَّةِ فرجمناه.)
().
قال الحافظ ابن
حجر – رحمه الله - : " وقد قام الدليل على
أن الرجم وقع بعد سورة النور؛ لأن نزولها كان في قصة الإفك، واختُلف هل كان سنة
أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع،
وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 120
).
إذا منكروا حد الرجم على الزاني المحصن في
حقيقة أمرهم لا يؤمنون بحُجيّة السّنة المطهرة، ولا يعترفون بالفضل لجيل الصحابة
الكرام، ولا يرون فيهم أنموذجاً يحتذى!.
إنهم قد نصّبوا مداركهم وعقولهم المحدودة مكانة فوق نصوص الشرع، بل وجعلوها
حكماً على النصوص؛ بدلا من أن يُعْمِلوها في فهم النّص!. هذا حالُ من تأخر زمانه، وتعاظم غرورهُ، وقل
علمُه واتّباعُه إلى حدٍ نسي معه قولَ الله : (وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )
(النجم: 4-3). ونسي قولَ رسول الله : (خُذُوا عَنِّي
خُذُوا عَنِّي) ، (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ
القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ:
عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ،
وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ).
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : قول الصحابي عبد
الله بن أبي أوفى رضي الله عنه "لا أدري" فيه: أن الصحابي الجليل قد
تخفى عليه بعض الأمور الواضحة ، وأن الجواب من الفاضل بـ " لا أدري " لا
عيب عليه فيه ، بل يدل على تحريه وتثبته فيمدح به " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 167
) .
قول عمر رضي الله
عنه في الآية التي نزلت في الرجم ليس له تعلق بمسألة "حجية قول الصحابي"؛
لأن المنقول عن عمر رضي الله عنه ليس رأياً له في المسألة ، بل هو رواية لنص من
نصوص الوحي ، وكان ذلك بمشهد من جمعٍ من الصحابة رضي الله عنهم ، ولا فرق في هذا
بين ما نقله هنا وما نقله – مثلاً – من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا
الأَعْمال بِالنِّيَّات ) – متفق عليه - .
آية
الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها
مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فلم تَعُدْ آية من القرآن الكريم، ولكن حكمها باقٍ لم
ينسخ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف، لأنها
لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه ().
ذهب
جماهير الأصوليين والفقهاء والمحدثين والمفسرين إلى جواز وقوع نسخ التلاوة والرسم
مع بقاء الحكم الشرعي المتضمن في الآية ثابتا ().
نسخ تلاوة آية الرجم ، دليله قول عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب الناس على المنبر.
يقول
أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله : " وقول عمر (كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم ،
فقرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ) ، هو نصٌّ من عمر رضي الله عنه على أنَّ (الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما ألبتةَ) كان قرآنًا يُتلى . وفي
آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخَ كَونُها من القرآن ، وبقي حُكْمُها معمولاً به ؛
وهو الرَّجم . وقال ذلك عمرُ بمحضرِ
الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وفي مَعْدن الوحي، وشاعت هذه الخطبةُ في المسلمين
، وتناقلها الرُّكبان، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا
قاله عمر، ولا راجعه في حياته ولا بعد موته، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا
النوع من النسخ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ولا يلتفت لخلاف من تأخر
زمانه ، وقل علمه في ذلك. يقول المؤلف: وقد بيَّنا في الأصول : أن النسخ
على ثلاثة أضرب : نسخ التلاوة، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة ، ونسخ التلاوة مع بقاء
الحكم " انتهى. "المفهم لما
أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/85) ().
ومثال على هذا النوع من النسخ، ما ثبت في الحديث الشريف: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَاهُ رِعْلٌ، وذَكْوَانُ، وعُصَيَّةُ، وبَنُو لَحْيَانَ، فَزَعَمُوا أنَّهُمْ قدْ أسْلَمُوا، واسْتَمَدُّوهُ علَى قَوْمِهِمْ، فأمَدَّهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ، قَالَ أنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ باللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بهِمْ، حتَّى بَلَغُوا بئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بهِمْ وقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو علَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: وحَدَّثَنَا أنَسٌ: أنَّهُمْ قَرَؤُوا بهِمْ قُرْآنًا: ألَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بأنَّا قدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضَانَا، ثُمَّ رُفِعَ ذلكَ بَعْدُ.) (الراوي : أنس بن مالك ، المحدث : البخاري، المصدر : صحيح البخاري،
الصفحة
أو الرقم: 3064 ، خلاصة حكم المحدث : ]صحيح[
المبحث الخامس : السؤال هل الحديث له سلطة
على القرآن بنسخ أو بتخصيص ؟
الجواب ():
أولا : القرآن والسنة
في منزلة واحدة باعتبارهما مصادر مِن مصادر التشريع الإسلامي ، والله عز وجل يقول
: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم: 4-3).
وقد بوب الخطيب
البغدادي رحمه الله في كتابه القيم " الكفاية في علم الرواية " (ص/23)
بقوله : " باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى ، وحكم سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، في وجوب العمل ، ولزوم التكليف ". وأورد تحته حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ
القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ
يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ
فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا
حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ) .
وللمزيد من طرق الحديث أنظر الحاشية ().
والسنةُ مبينةٌ لما أجمل في كتاب الله ،
تخصصُ وتبينُ عمومَه ، وتقيِّدُ مطلقه ، وتبينُ الناسخَ من المنسوخِ فيه ، حتى قال إمام التابعين مكحول رحمه الله : " القرآن أحوج إلى
السنة من السنة إلى القرآن " انتهى. " الكفاية " (ص/30)
ثانيا : أما تخصيص (بيان)
عمومات القرآن الكريم بالسنة النبوية فقد ذهب إلى جوازه جماهير الأصوليين . يقول ابن
النجار الفتوحي رحمه الله "يخصَّصُ الكتابُ ببعضه، وبالسنة مطلقا ، سواء كانت متواترة
أو آحاد :
مثال تخصيص الكتاب
بالسنة - حتى مع كونها آحادا ، عند أحمد ومالك والشافعي رضي الله عنهم - : قوله
سبحانه وتعالى : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ)، فإنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتِها
ولا على خالتِها) (الراوي : أبو هريرة ، المحدث : مسلم ، المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو
الرقم: 1408 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح ) ، وفي رواية (نهى رسولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم أن تُنْكَحَ المرأةُ على عمتِها أو خالتِها.) ( الراوي : جابر بن عبدالله ، المحدث : البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5108 ، خلاصة حكم المحدث : ]أورده في صحيحه] وقال : وقال داود وابن عون عن
الشعبي عن أبي هريرة ). يورد القرطبي في التفسير: (روى البخاري ومسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يُجمَعُ بين
المرأةِ وعمَّتِها، ولا بين المرأةِ وخالَتِها.) (). وقال ابن شهاب : فنرى خالة أبيها وعمة أبيها
بتلك المنزلة ، وقد قيل : إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من
الآية نفسها ؛ لأن الله تعالى حرم الجمع بين الأختين ، والجمع بين المرأة وعمتها
في معنى الجمع بين الأختين؛ أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد
. والصحيح الأول ؛ لأن الكتاب والسنة كالشيء الواحد ؛ فكأنه قال : أحللت لكم
ما وراء ما ذكرنا في الكتاب ، وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليه
السلام .
ونحوه تخصيص آية السرقة بالحديث: (تقطُّعُ
يدُ
السارقِ
في
ربعِ
دينارٍ
فصاعدًا
وفي
لفظٍ
القطعُ
في
رُبعِ
دينارٍفصاعدًا) (
). أنظر :" شرح
الكوكب المنير " (3/359-363).
ويقول الشوكاني رحمه الله : " اختلفوا في جواز تخصيص
الكتاب العزيز بخبر الواحد . فذهب
الجمهور إلى جوازه مطلقا . وذهب بعض
الحنابلة إلى المنع مطلقا ، وحكاه الغزالي في " المنخول " عن المعتزلة ،
ونقله ابن برهان عن طائفة من المتكلمين والفقهاء ، ونقله أبو الحسين بن القطان عن
طائفة من أهل العراق .
وذهب الكرخي إلى
الجواز إذا كان العامُّ قد خُص من قبل بدليل منفصل ، سواء كان قطعيا أو ظنيا ، وإن
خُص بدليل متصل أو لم يخص أصلا لم يجز .
وذهب القاضي أبو
بكر إلى الوقف . واستدل في
المحصول على ما ذهب إليه الجمهور بأن العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان ، وخبر الواحد أخص
من العموم ، فوجب تقديمه على العموم .
واحتج ابن السمعاني
على الجواز بإجماع الصحابة ، فإنهم خصوا قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
أَوْلَادِكُمْ ۖ ) (الآية 11 من سورة النساء)
بقوله صلى الله عليه وسلم : (إنَّا معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ ما ترَكنا صدقةٌ) (). وخصوا التوارث بالمسلمين عملا بقوله صلى الله عليه
وسلم : (لا يرثُ المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ) ().
وأيضا يدل على
جواز التخصيص دلالة بينه واضحة ما وقع من أوامر الله عز وجل باتباع نبيه صلى الله
عليه وسلم من غير تقييد ، فإذا جاء عنه الدليل كان اتباعه واجبا ، وإذا عارضه عموم
قرآني كان سلوك طريقة الجمع ببناء العام على الخاص متحتما ، ودلالة العام على
أفراده ظنية لا قطعية ، فلا وجه لمنع تخصيصه بالأخبار الصحيحة الآحادية " انتهى. " إرشاد
الفحول " (ص/267-286(
ويقول العلامة
الأمين الشنقيطي رحمه الله : " اعلم أن التحقيق أنه يجوز
تخصيص المتواتر بأخبار الآحاد؛ لأن التخصيص بيان ، وقد قدمنا أن المتواتر يبيَّن
بالآحاد ، قرآنًا أو سنة " انتهى. " مذكرة
أصول الفقه " (ص/222)
ثالثا
: وأما مسألة نسخ السنة لنصوص
القرآن الكريم ، فقد اختلف فيها العلماء على قولين
:
القول الأول : لا يجوز نسخ
السنة الآحادية لنصوص القرآن الكريم : وهو قول جماهير الأصوليين . بل إن الشافعي في " الرسالة " (ص/106-109) وأحمد رحمهما الله
اختارا عدم جواز نسخ السنة المتواترة للقرآن الكريم ، واختاره أيضا ابن قدامة ،
وابن تيمية
. يمكن
مراجعة المسألة بتوسع في : " البحر المحيط " للزركشي الشافعي (5/262-272).
القول الثاني :
يجوز نسخ السنة الآحادية لنصوص القرآن الكريم ، وإليه ذهب بعض الأصوليين من
الحنفية كما في " (3/62)، وهو اختيار السبكي في " جمع الجوامع
" (ص/57) حيث قال: " والنسخ بالقرآن لقرآن وسنة ، وبالسنة للقرآن ، وقيل يمتنع
بالآحاد ، والحق لم يقع إلا بالمتواترة " انتهى.
وهو اختيار
العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، حيث يقول: "الذي يظهر لنا أنه الصواب : هو أن أخبار الآحاد الصحيحة يجوز نسخ
المتواتر بها إذا ثبت تأخرها عنه ، وأنه لا معارضة بينهما ؛ لأن المتواتر حق ، والسنة الواردة
بعده إنما بينت شيئا جديدا لم يكن موجودا قبل،
فلا معارضة بينهما البتة لاختلاف زمنهما .
فقوله تعالى : (قُل لَّا أَجِدُ
فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن
يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ
أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ
وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
(الأنعام 145) يدل بدلالة المطابقة دلالة
صريحة على إباحة لحوم الحمر الأهلية ؛ لصراحة الحصر بالنفي والإثبات في الآية في
ذلك .
فإذا صرح النبي صلى
الله عليه وسلم بعد ذلك يوم خيبر في حديث صحيح بأن لحوم الحمر الأهلية غير مباحة ، فلا معارضة البتة بين ذلك الحديث الصحيح ، وبين تلك الآية النازلة
قبله بسنين ؛ لأن الحديث دل على تحريم جديد ، والآية ما نفت تجدد شيء في المستقبل
كما هو واضح .
فالتحقيق - إن شاء
الله - هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه ، وإن خالف فيه
جمهور الأصوليين " انتهى قول محمد الأمين الشنقيطي. " أضواء البيان " (2/451-452).
الخلاصة هي ما قاله ابن قدامة – رحمه الله - :
"وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح، وإنما هو تخصيص".
المصدر: الإسلام سؤال وجواب ().
المبحث السادس: الحكمة من النسخ
الجواب من موقع إسلام ويب () ():
(فالنسخ سواء كان نسخا
لتلاوة بعض الآيات أو نسخا للأحكام الواردة فيها... فقد صرح القرآن الكريم بالحكمة
منه. قال الله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ
آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) }البقرة: 106}. يقول
ابن كثير: (قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ) ما نبدل من آية ..
وقال ابن جريج ، عن مجاهد : (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ)
أي : ما نمح من آية . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (مَا نَنْسَخْ مِنْ
آَيَةٍ) قال : نثبت خطها ونبدل حكمها . حدث به عن
أصحاب عبد الله بن مسعود . وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحو ذلك
. وقال الضحاك : (مَا نَنْسَخْ
مِنْ آَيَةٍ) ما ننسك . وقال عطاء : أما (مَا نَنْسَخْ) فما نترك من القرآن . وقال ابن أبي حاتم : يعني: ترك فلم ينزل على محمد
صلى الله عليه وسلم . وقال السدي : (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ) نسخها : قبضها . وقال ابن أبي حاتم : يعني : قبضها : رفعها ، مثل قوله
: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . وقوله : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا
"
. وقال ابن جرير : (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ) ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يحول الحلال حراما
والحرام حلالا والمباح محظورا ، والمحظور مباحا . ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي
والحظر والإطلاق والمنع والإباحة . فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ . وأصل النسخ من نسخ الكتاب ، وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها ، فكذلك
معنى نسخ الحكم إلى غيره ، إنما هو تحويله ونقل عبادة إلى غيرها . وسواء نسخ حكمها
أو خطها ، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة . وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد
النسخ ، والأمر في ذلك قريب ; لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ، ولخص بعضهم
أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر . فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ، وعكسه ، والنسخ
لا إلى بدل . وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فن أصول الفقه
.
وقوله تعالى : (أَوْ نُنْسِهَا)
فقرئ على وجهين : " ننسأها وننسها " . فأما من قرأها : " ننسأها " بفتح النون والهمزة
بعد السين فمعناه : نؤخرها . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ ننسئها) يقول : ما نبدل من آية ،
أو نتركها لا نبدلها .
وقال مجاهد عن أصحاب
ابن مسعود : (أَوْ ننسئها) نثبت خطها ونبدل حكمها . وقال عبيد بن عمير ، ومجاهد، وعطاء : (أَوْ ننسئها) نؤخرها ونرجئها . وقال عطية العوفي : (أَوْ ننسئها)
نؤخرها فلا ننسخها . وقال السدي مثله أيضا ، وكذا [ قال ] الربيع بن أنس . وقال الضحاك
: (مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ ننسئها) يعني: الناسخ من المنسوخ
. وقال أبو العالية : (مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ ننسئها ) أي : نؤخرها عندنا .
وقال ابن حاتم : حدثنا
عبيد الله بن إسماعيل البغدادي ، حدثنا خلف ، حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل يعني ابن مسلم
عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
خطبنا عمر ، رضي الله عنه ، فقال : يقول الله عز وجل : (مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) أي : نؤخرها .
وأما على قراءة : (أَوْ نُنْسِهَا)
فقال عبد الرزاق ، عن قتادة في قوله : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) قال : كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء .
وقال ابن جرير : حدثنا سواد بن عبد الله ، حدثنا خالد بن
الحارث ، حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله : (أَوْ نُنسِهَا)
قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا
محمد بن الزبير الحراني ، عن الحجاج يعني الجزري عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان
مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله ،
عز وجل :
(مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
قال أبو حاتم : قال لي أبو جعفر بن نفيل : ليس هو الحجاج
بن أرطاة ، هو شيخ لنا جزري .
وقال عبيد بن عمير : (أَوْ نُنسِهَا)
نرفعها من عندكم .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ،
عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ : " مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ تنسها " قال: قلت له: فإن سعيد بن المسيب يقرأ: " أَوْ تنسها " . قال: فقال سعد: إن القرآن
لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، قال الله ، جل ثناؤه: ((سَنُقْرِئُكَ
فَلَا تَنسَىٰ) ( الأعلى : 6) ، (واذكر ربك إذا نسيت) ( الكهف : 24 ) .
(). إنّ عبارة سعد بن أبي وقاص تشير إلى أنّ
القراءة الثابتة هي (نُنسِهَا) ؛ فيكون النسيان بتقدير
الله ومشيئته وله حكمة فيه سبحانه.
وكذا رواه عبد الرزاق
، عن هشيم وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي ، عن آدم ، عن شعبة ،
عن يعلى بن عطاء ، به . وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال ابن أبي حاتم :
وروي عن محمد بن كعب ، وقتادة وعكرمة ، نحو قول سعيد .
وقال الإمام أحمد :
أخبرنا يحيى ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن
عباس ، قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أبي ، وأبي
يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فلن أدعه لشيء . والله يقول : (مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) .().
قال البخاري : حدثنا عمرو بن
علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :
قال عمر : أقرؤنا أبي ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبي ، وذلك أن أبيا يقول :
لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا). وقوله :
(نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) أي : في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين
، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس :
(نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا) يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .
وقال أبو العالية
: ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ) فلا نعمل بها ، ( أو ننسأها
) أي : نرجئها عندنا ، نأت بها أو نظيرها.
وقال السدي : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) يقول : نأت بخير
من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه .
وقال قتادة : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) يقول : آية فيها
تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي .).
وقال الشوكاني عند قوله تعالى:
(نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا): نأت بما
هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل، أو في أحدهما، أو بما هو مماثل لها من غير زيادة.
والله تعالى حين نسخ بعض أحكامه
ببعض...علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب
هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطا بحكمة وبمصلحة أخرى. ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم.
ثم التعارض الذي يكون بين الآيات
الناسخة والمنسوخة لا يسمى تعارضا؛ لأن التعارض إنما يكون لو كان كل من الناسخ والمنسوخ
مأمورا بفعله. أما وقد علم أن هذا قد انتهى العمل به منذ نزول ذلك، فلا تعارض إذاً.
وأما قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ
فَلَا تَنسَىٰ) (الأعلى 6)، فقد جاء بعدها قوله تعالى: (إِلَّا مَا
شَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ) (الأعلى 7). قال بعض أهل التفسير: أي إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه.
وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
}الحجر: 9} ، تفسيرها:
حفظ القرآن من شياطين الجنّ والإنس أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه أو
يبدلوا. قال الله تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) }فصلت: 42{.
(قال الزرقاني في مناهل العرفان وهو يرد على من أنكر النسخ بحجة أنه
يستلزم البَداء، قال رحمه الله تعالى: البَداء بفتح الباء يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين: أحدهما الظهور بعد الخفاء ومنه قول الله سبحانه: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ* وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) ، ومنه قولهم: بدا لنا سُورُ
المدينةِ .
والآخر نشأة رأي جديد لم يك موجودا، قال في القاموس: وبدا له في
الأمر بدواً وبداء وبداة أي نشأ له فيه رأي...
ذانك معنيان متقاربان للبداء، وكلاهما مستحيل على
الله تعالى لما يلزمهما من سبق الجهل وحدوث العلم. والجهل
والحدوث كلاهما مستحيل على الله تعالى؛ لأن النظر الصحيح في هذا العالم دلنا على أن
خالقه ومدبره متصف أزلا وأبداً بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما
هو كائن، كما هدانا هذا النظر الصحيح إلى أنه تعالى لا يمكن أن يكون حادثا ولا محلا
للحوادث وإلا لكان ناقصا يعجز عن أن يبدع هذا الكون ويدبره هذا التدبير المعجز، ذلك
إجمالٌ لدليل العقل.
أما أدلة النقل فنصوص فياضة
ناطقة بأنه تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عِلْمًا ) ، (لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ﴾، ﴿ إِنَّ اللَّهَ
لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ ، (مَا أَصَابَ
مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ
أَن نَّبْرَأَهَاۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد 22) ،
)وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا
إِلَّا هُوَۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِۚ وَمَا
تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام 59)،
)اللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ
وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8 (عَالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن
جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا
فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)
) (الرعد)، إلى
غير ذلك من مئات الآيات والأحاديث.
ولكن على رغم هذه البراهين الساطعة
من عقلية ونقلية ضل أقوام... وزعموا أن النسخ ضرب من البداء أو مستلزم للبداء... ونسوا
أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض... علم أن
الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ
يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطا بحكمة وبمصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح
تختلف باختلاف الناس وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم، وأن الأحكام وحكمها والعباد ومصالحهم
والنواسخ والمنسوخات كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه،
والجديد في النسخ إنما هو إظهارُهُ تعالى ما عَلِمَ لعباده؛ لا ظهور ذلك له.
وقال الزرقاني رحمه الله تعالى: أما حكمته سبحانه في أنه
نسخ به (أي بالقرآنِ أو بالإسلامِ) الأديانَ كلها فترجع إلى أن تشريعه أكمل تشريع يفي
بحاجات الإنسانية في مرحلتها التي انتهت إليها بعد أن بلغت أشدها واستوت، وبيان ذلك
أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار
حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد
أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة وضعفا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدا
رويدا ومروا في هذا التحول، أو مرت عليهم أعراض متباينة من ضآلة العقل وعماية الجهل
وطيش الشباب وغشم القوة على تفاوت في ذلك بينهم اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعا لهذا
التفاوت، حتى إذا بلغ العالَمُ أوانَ نضجهِ واستوائه وربطت مدنيتُه بين أقطاره وشعوبه
جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان، ومتمما للشرائع وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح
الإنسانية ومرونة القواعد جمعا وفّقَ بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين،
ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب وحيوان ونبات
وجماد، مما جعله بحق دينا عاما خالدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها...
وأما حكمة الله في أنه نسخ بعض
أحكام الإسلام ببعض فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها.. على مهل متألفة
–أي الشريعة- لهم متلطفة في دعوتهم متدرجة بهم إلى الكمال رويدا رويدا، صاعدة بهم في
مدارج الرقي شيئا فشيئا، منتهزة فرصة الإلف والمران والأحداث الجادة عليهم لتسير بهم
من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب حتى تم الأمر ونجح
الإسلام نجاحا لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه.
تلك الحكمة على هذا الوجه تتجلى
فيما إذا كان الحكم الناسخ أصعب من المنسوخ كموقف الإسلام في سموه ونبله من مشكلة الخمر
في عرب الجاهلية بالأمس، وقد كانت مشكلة معقدة كل التعقيد يحتسونها بصورة تكاد تكون
إجماعية، ويأتونها لا على أنها عادة مجردة بل على أنها أمارة القوة ومظهر الفتوة وعنوان
الشهامة. ومما اشتهر على الألسنة قول
الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته:
ولولا ثلاث هن من لذة الفتى
وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة كميت
متى ما تعل بالماء تزبد
فقل لي بربك هل كان معقولا أن
ينجح الإسلام في فطامهم عنها لو لم يتألفهم ويتلطف بهم !!...
أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب
بما هو أسهل منه فالتخفيف على الناس ترفيها عنهم وإظهارا لفضل الله عليهم ورحمته
بهم وفي ذلك إغراء لهم على المبالغة في شكره وتمجيده وتحبيب لهم فيه وفي دينه: فمثلا؛ قوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن
مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن
مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَّا يَفْقَهُونَ) (الأنفال: 65)، ثم قال بعدها ناسخاً لها: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا
ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ
وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 66)
وأما الحكمة في نسخ الحكم بمساويه
في صعوبته أو سهولته فالابتلاء والاختبار ليظهر المؤمن فيفوز والمنافق فيهلك؛ ليميز
الخبيث من الطيب.. . ويظهر هذا جلياً في قوله
تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا
وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا
لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ
ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ
لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143) ) (البقرة).
سؤال: هل الناسخ والمنسوخ عقيدة لابد من
الإيمان بها ، أم أن المسألة خلافية ؟
الجواب: إنه لا يجوز لمسلم أن يخالف
في انعقاد اجماع العلماء على وقوع النسخ؛ حيث دلالة الكتاب والسنة عليه جلية. ولا يذهب المسلم إلى إنكار النسخ وعدم وقوعه ،
فإن هذا اتباع لغير سبيل المؤمنين ، فيشمله الوعيد الوارد في قوله تعالى :(وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا ) ( النساء :115). ونفاة النسخ هؤلاء ، وإن
لم يحكم عليهم بالكفر : إلا أنهم لا يقرون على قولهم ، بل يجب التحذير منهم ،
وبيان بطلان قولهم نصحية للإسلام والمسلمين.
تفصيل
الجواب من موقع الإسلام سؤال وجواب ()
أولا:
ثبت بالأدلة
القاطعة أن النسخ وقع في الشرائع ، ومن أوضح النصوص دلالة على ذلك:
قول الله تعالى: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (البقرة 106). وقول الله تعالى: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ،
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )
( النحل 101 – 102).
قال الإمام الطبري
رحمه الله تعالى: " وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم (آية) أخرى، ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ
): يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغير من أحكامه، ( قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ )
يقول: قال المشركون بالله، المكذبو رسوله، لرسوله: (إِنَّمَا
أَنْتَ) يا محمد (مُفْتَرٍ)، أي: مكذب، تتخرص بتقوّل الباطل على الله .
يقول الله تعالى:
بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: إنما أنت مفتر. جهال بأنّ الذي تأتيهم به من عند الله، ناسخه
ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ )
قال أهل التأويل... " انتهى. "تفسير الطبري" (14 / 362).
وقال الله تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا
يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ
لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى
إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قُلْ لَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ
فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
(يونس 15 – 16).
قال الشيخ المفسر
محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ) الآية.
أمر الله تعالى: في هذه الآية الكريمة نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يقول: إنه ما يكون له أن يبدل شيئا من القرآن من تلقاء نفسه .
ويفهم من قوله: ( مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ) أن الله تعالى يبدل منه
ما شاء بما شاء. وصرح بهذا المفهوم في مواضع أخر كقوله: ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ) الآية، وقوله: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
الآية، وقوله: ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ، إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى )
" انتهى. "أضواء البيان" (2 / 563).
وقد ثبت وقوع
النسخ في أمور عدة؛ ومن ذلك:
قول الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا
يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( الأنفال : 65 – 66).
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: " وهذه
الآية، أعني قوله: ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )، وإن
كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الأمر. يدلّ
على ذلك قوله: ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ) فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل. ولو كان ثبوت العشرة منهم ، للمئة من عدوهم ، كان غير فرض عليهم قبل
التخفيف، وكان ندبًا = لم يكن للتخفيف وجه؛ لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك
الواحد من المسلمين الثبوت للعشرة من العدو، وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدّما،
لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد.
وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم
أن حكم قوله: ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا )، ناسخ لحكم قوله: ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ... " انتهى.
"تفسير الطبري" (11 / 268 – 269).
وكقوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ
صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ
صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ ) (المجادلة : 12 – 13).
قال ابن كثير رحمه
الله تعالى:
" يقول تعالى آمرا عباده
المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يساره فيما
بينه وبينه، أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام؛ ولهذا
قال: ( ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ
) ...
ثم قال: ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ) أي: أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة
الرسول، ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
فنسخ وجوب ذلك عنهم " انتهى. "تفسير ابن كثير" (8 / 49 – 50).
وكما روى الإمام
مسلم (977): عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بريدة بْن الحصيب، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَهَيْتُكُمْ
عن زِيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها، ونَهَيْتُكُمْ عن لُحُومِ الأضاحِيِّ فَوْقَ
ثَلاثٍ، فأمْسِكُوا ما بَدا لَكُمْ، ونَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إلَّا في سِقاءٍ،
فاشْرَبُوا في الأسْقِيَةِ كُلِّها، ولا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا.) ( الراوي : أبو موسى
الأشعري عبدالله بن قيس ، المحدث : مسلم ، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 977 ، خلاصة حكم
المحدث : [صحيح]. التخريج : أخرجه مسلم
(1977)
ثانيا
:
القول بجواز النسخ
عقلا ، ووقوعه شرعا ، هو قول عامة الأمم ، ولم يخالف في هذا إلا طوائف من اليهود ،
ونسب إلى أبي مسلم الأصفهاني المعتزلي (254-322) .
وقيل : إن خلاف
أبي مسلم الأصفهاني هو خلاف لفظي ، وليس حقيقيا .
قال القاضى أبو
بكر ابن العربى :
"لقد أجمع المسلمون على جواز
النسخ ووقوعه فعلا ؛ خلافا لليهود الذين أنكروه ...
والآيات القرآنية
فى جواز النسخ عديدة " انتهى، من "الناسخ والمنسوخ" لابن العربى (ص
3 ).
وقال الشنقيطي رحمه
الله في "أضواء البيان" (3/74) :
"لا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ عقلاً وشرعاً ، ولا في وقوعه فعلاً .
ومن ذكر عنه خلاف
في ذلك كأبي مسلم الأصفهاني - فإنه إنما يعني أن النسخ تخصيص لزمن الحكم بالخطاب
الجديد" انتهى .
وقال ابن كثير رحمه
الله في تفسيره (1/379) :
"والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى، لما له في ذلك
من الحكم البالغة، وكلهم قال بوقوعه.
وقال أبو مسلم
الأصبهاني المفسر: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. وقد
تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ" انتهى .
وقال الطاهر بن
عاشور في "التحرير والتنوير" (1/432):
"وقد اتفق علماء الإسلام على جواز النسخ ، ووقوعه .
ولم يخالف في ذلك
إلا أبو مسلم الأصفهاني محمد بن بحر ، فقيل : إن خلافه لفظي" انتهى
.
وقال الألوسي في
"روح المعاني" (1/352) :
"واتفقت
أهل الشرائع على جواز النسخ ، ووقوعه .
وخالفت اليهود غير العيسوية في جوازه ، وقالوا
: يمتنع عقلا
.
وأبو مسلم
الأصفهاني في وقوعه ، فقال : إنه وإن جاز عقلا ؛ لكنه لم يقع " .
وينظر أيضا :
"الإحكام" للآمدي (3/127) .
وقال أبو جعفر
النحاس رحمه الله تعالى: " فتكلم العلماء من
الصحابة والتابعين في الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف المتأخرون فيه، فمنهم من جرى على
سنن المتقدمين ، فوُفِّق. ومنهم من خالف ذلك ، فاجتنب.
فمن المتأخرين من
قال: ليس في كتاب الله جلّ وعز ناسخ ولا منسوخ، وكابر العيان واتبع غير سبيل
المؤمنين " انتهى. "الناسخ والمنسوخ" (1 / 400).
وقال ابن الجوزي
رحمه الله تعالى:
" انعقد إجماع العلماء على هذا إلا أنه قد شذ
من لا يلتفت إليه ...".انتهى. "نواسخ القرآن"
(1 / 119).
وإذا تبين أن المسألة بهذا الوضوح ، من حيث
انعقاد اجماع العلماء عليها إلا من شذ ، ومن حيث دلالة الكتاب والسنة عليها ، فإنه
لا يجوز لمسلم أن يخالف في هذا ، وأن يذهب إلى إنكار النسخ وعدم وقوعه ، فإن هذا
اتباع لغير سبيل المؤمنين ، فيشمله الوعيد الوارد في قوله تعالى :(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ( النساء :115).
ثالثا:
قد ظهر في هذا
العصر عدد من الكتاب ينفون وقوع النسخ، وأوّلوا النصوص الدالة على النسخ، وشبهتم
التي أظهروها في صنيعهم هذا : أن إثبات النسخ يلزم منه نسبة بعض صفات النقص إلى
الله تعالى ، كما أن فيه إبطالا للقرآن على زعمهم، ولذا نفوا وقوع النسخ بحجة
التنزيه لله تعالى والدفاع عن كتابه.
وهذا القول هو من
جنس مقالات من حرف صفات الله تعالى بحجة التنزيه لله تعالى عن صفات النقص
.
وهذه المقالات
التي فيها رد لنصوص الوحي ، وخروج عما أجمع عليه أهل العلم ، وتلقته الأمة بالقبول
= هي في حقيقتها كفر ، لخروجها عن سبيل المؤمنين .
إلا أنه لا يحكم
على القائلين به بالكفر لما يظهرونه من التأويل والمقاصد التي تنفي عنهم صفة تعمد
المشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة سبيل المؤمنين.
فبسبب ما عند هؤلاء من الجهل والشبهة والتأويل
: لا يحكم عليهم بالكفر .
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن
يكون الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم
أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم
وشيوخهم وأمرائهم.
وأصل جهلهم شبهات
عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق
له" انتهى، من "الرد على البكري" (383 – 385).
وقال الشيخ عبد
الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" أن المتأولين من أهل القبلة الذين ضلوا
وأخطأوا في فهم ما جاء به الكتاب والسنة ، مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في
كل ما قال ، وأن ما قاله كله حق ، والتزموا ذلك : لكنهم
أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العملية = فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم
خروجهم من الدين ، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين .
وأجمع الصحابة رضي
الله عنهم والتابعون ومن بعدهم أئمة السلف على ذلك " انتهى. من
"الإرشاد" ضمن "المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي" (12 /
558).
ونفاة النسخ هؤلاء
، وإن لم يحكم عليهم بالكفر : إلا أنهم لا يقرون على قولهم ، بل يجب التحذير منهم
، وبيان بطلان قولهم نصحية للإسلام والمسلمين.
وراجع للأهمية
الفتوى رقم (192564) ، (228722) .
والله أعلم.
الخلاصة
في
أيّ طريق أو فجّ تسيرون يا من سمعتم وتسمعون نبوءة عمر؛ وتسقُطونَ في شرك إنكار
حدّ الرجم على الزاني المحصن؟!. عمرُ
الملهمُ، مدرسةُ العلمِ والدينِ ، يحذرنا من تآمر أصحاب الهوى على أحكام الدين.
موافقات القرآن لعمر كثيرة ومنها:
(اللَّهمَّ بيِّن لَنا في الخمرِ بيانًا
شافيًا) إلى أن نزلت الآية {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}
قالَ عمرُ: (انتَهَينا). ومنها عدم الصلاة
على المنافقين: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ). الأسرَى يومَ بدرٍ طالبَ عمرُ بقتلِهم. عمرُ أمر نساءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم أن يحتجِبْنَ. عمرُ يحقق مبدأ
الشورى ويوافق الحديث الشريف في عدم الدخول إلى بلد الوباء. عمرُ الملهمُ المُحدَّثُ الذي يرى بنور الله
يقول: (...فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ
مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا
أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ
الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ).
إتفق
جمهور أهل السنة والجماعة على أن آية الرجم كانت إحدى الآيات القرآنية المنزلة من
عند الله تعالى، وأن الصحابة كانوا يعدونها آية من القرآن قرؤوها وعقلوها ووعوها
ولم يؤمروا بكتابتها في المصحف. ثم نسخ
لفظ هذه الآية وبقي حكمها؛ وهو حكم الرجم. وأن النسخ لا يكون إلا بأمر الله تعالى
وحكمه، وقد ثبث حكم حد الرجم بأدلة مستفيضة: (فَكانَ ممَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ،
قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طَالَ بالنَّاسِ زَمَانٌ
أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بتَرْكِ
فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وإنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ حَقٌّ علَى مَن
زَنَى إذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ).
قال
النووي: هذا الذي خشيه عمرُ قد وقع من الخوارج ومن وافقهم. والذي تحدّثَ عنه عمرُ هو: حكم حد الرجم الذي
ثبت عند الصحابة، بقصد استظهار إقرارهم بما عرفوه وتلقوه من الأحكام ليتحملوا مسؤلية
البيان والتبليغ لمن بعدهم. تبليغ وبيان
هذه الأحكام التي تقررت في السابق، وانتهى الأمر بالاتفاق على هذا ولم ينكروا
عليه، إذ لو كان في الأمر أي مخالفة لما وافقوه.
إن
آية الرجم منسوخة رسماً لا حكماً؛ وهذا قد يؤدي إلى إنكار حكم الرجم بحجة أنه لم
يوجد في القرآن حكم الرجم. وهذا الذي كان يخشاه
عمر، قد حدث بعده بالفعل، حيث ظهر من ينكر حد الرجم.
لقد أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن
إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة. وجاء في شرح صحيح البخاري أن الخوارج وبعض المعتزلة
أنكروا حد الرجم بحجة أنه لا يوجد في القرآن ما يدل على الرجم، ومن لازم هذا أنهم
لم يحتجوا بالأحاديث النبوية، ولا بأقوال الصحابة. واحتج الجمهور بأن النبي - صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ - رجم وكذلك الأئمة بعده
يقولُ
عمرُ: (إيَّاكُمْ أنْ تَهْلِكوا عن آيةِ الرَّجْمِ، أنْ يَقولَ قائِلٌ: لا نَجِدُ
حَدَّيْنِ ()
في كتابِ اللهِ، فقد رَجَمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد رَجَمْنا،
والَّذي نفْسِي بيدِهِ لولا أنْ يَقولَ النَّاسُ: زادَ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ في
كِتابِ اللهِ، لَكَتَبْتُها: الشَّيْخُ والشَّيْخةُ
فارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ).
وإنما
أتخوف عليكم أحد رجلين : رجل تأول القرآن على غير تأويله فيقاتل عليه، ورجل يرى
أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتل عليه
يُحذِّرُ
عمرُ بنُ الخطّابِ رضِي اللهُ عنه مِنْ أنْ يأتِيَ أحدٌ بعدَ تَطاوُلِ الزَّمانِ
فيقولَ: إنَّ الرَّجمَ ليسَ موجودًا في كتابِ اللهِ تعالى، فيكونَ ذلك سببًا في
ضلالِه. ويقول عمرُ رضِي اللهُ عنه: (ثمَّ
إيَّاكم ألَّا تَهلِكوا عن آيةِ الرَّجمِ، أنْ يقولَ قائلٌ: لا نَجِد حدًّا يُرَى في كتابِ اللهِ؛ فقد رأيْتُ
رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجَمَ ورجَمْنا، والَّذي نفْسُ عمرَ
بيَدِه، لولا أنْ يقولَ النَّاسُ: أحدَثَ عمرُ في كتابِ اللهِ، لكتبْتُها، فإنا قد
قرَأْنا: (الشَّيخُ والشَّيخةُ فارجُموهما البتَّةَ).
والأحاديث
في رجم الزاني المحصن كثيرة؛ ومنها: (لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى
ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ
الجماعةَ). وقوله عليه الصلاة والسلام:
(الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ).
وقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) (الراوي:
عبادة بن الصامت ، المحدث : مسلم ، المصدر :
صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1690 ، خلاصة حكم المحدث: صحيح).
وجوب
الأخذ عن الرسول الكريم: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي)؛ ولا يجوز الأخذ عن أصحاب
الهوى.
وأما
هذا البعض المتأخر ومن هو على شاكلته ؛ فقولهم مردود وحجتهم داحضة بدليل الآية
الكريمة: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
( البقرة 106).
يقول
القرطبي: " والأمر عندنا أن الأمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ،
وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها. والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر .
ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على
قدر النعمة؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب: 30).
وممّا
يؤكد أنّ العقوبة تجب على قدر النعمة؛ الآيات :
نعمة
الرسالة: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ
تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ
الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)) (النساء)).
حرمة
مكة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن
سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً
الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )
(الحج 25). .. ولهذا لما هم أصحاب
الفيل على تخريب البيت أهلكهم اللهُ : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ
طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ
كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل : 3 - 5
) .
ثبت
الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر ،
وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وأما
آية سورة النور والتي ذكر الله تعالى فيها حد الزاني بأنه مائة جلدة : فإن المقصود
به الزاني غير المحصن من الرجال والنساء ، وليس فيها تعرض للزاني المحصن بذكر أو
إشارة. وقد ثبت أن الرجم وقع بعد نزول
سورة النور؛ فآية النور نزلت على إثر حادثة الإفك، وأبو هريرة رضي الله عنه كان
أسلم بعدها ، وقد حضر إقامة حدِّ الرجم على زانٍ محصن. نزول سورة النور كان في قصة الإفك، واختُلف هل
كان سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم
سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع ( فتح الباري).
إذا
منكروا حد الرجم على الزاني المحصن في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بحُجيّة السّنة
المطهرة، ولا يعترفون بالفضل لجيل الصحابة الكرام، ولا يرون فيهم أنموذجاً يحتذى!. إنهم قد نصّبوا مداركهم وعقولهم المحدودة مكانة
فوق نصوص الشرع، بل وجعلوها حكماً على النصوص؛ بدلا من أن يعملوها في فهم
النّص!. هذا حالُ من تأخر زمانه، وتعاظم
غرورهُ، وقل علمُه واتّباعُه إلى حدٍ نسي معه قولَ الله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم: 4-3). ونسي قولَ رسول الله : (خُذُوا عَنِّي خُذُوا
عَنِّي) ، (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ
رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم
فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ،
أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ
كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ).
والسنةُ
مبينةٌ لما أجمل في كتاب الله ، تخصصُ وتبينُ عمومَه ، وتقيِّدُ مطلقه ، وتبينُ
الناسخَ من المنسوخِ فيه . أما تخصيص
(بيان) عمومات القرآن الكريم بالسنة النبوية فقد ذهب إلى جوازه جماهير الأصوليين.
مثال
تخصيص الكتاب بالسنة قوله سبحانه وتعالى : (وَأُحِلَّ
لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ)،
فإنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتِها ولا
على خالتِها). ونحوه تخصيص آية السرقة
بالحديث: (تقطُّعُ يدُ السارقِ في ربعِ دينارٍ فصاعدًا وفي لفظٍ القطعُ في رُبعِ
دينارٍفصاعدًا). منكروا حدّ الرجم على
الزاني المحصن في غالب أمرهم لا يؤمنون بهذا التخصيص ولا يقرونه.
فالنسخ
سواء كان نسخا لتلاوة بعض الآيات أو نسخا للأحكام الواردة فيها... فقد صرح القرآن
الكريم بالحكمة منه. قال الله تعالى: (مَا
نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) }البقرة: 106}.
وأما
قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ) (الأعلى 6)، فقد جاء بعدها قوله تعالى:
(إِلَّا
مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ) (الأعلى 7).
قال بعض أهل التفسير: أي إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه. وأورد القرطبي: (هذا بمعنى النسخ أي إلا ما شاء
الله أن ينسخه . والاستثناء نوع من النسخ . وقيل : النسيان بمعنى الترك أي يعصمك
من أن تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه . فهذا في نسخ العمل ،
والأول في نسخ القراءة . قال الفرغاني : كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم
، وكان يغشاه ابن كيسان النحوي ، وكان رجلا جليلا فقال يوما : ما تقول يا أبا
القاسم في قول الله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ
فَلَا تَنسَىٰ) ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا
تنسى العمل به . ... وقوله فلا : للنفي لا للنهي . وقيل : للنهي وإنما أثبتت الياء
؛ لأن رءوس الآي على ذلك . والمعنى : لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء
الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة . والأول هو المختار ؛ لأن الاستثناء من النهي
لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما . وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف ، وعليها
القراء . وقيل : معناه إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله . .. . قوله تعالى : إنه
يعلم الجهر أي الإعلان من القول والعمل . وما يخفى من السر . وعن ابن عباس : ما في
قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته
من القرآن في صدرك . وما يخفى هو ما نسخ من صدرك .).
(وَنُيَسِّرُكَ
لِلْيُسْرَىٰ) (الأعلى 8) : أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك
شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. (ابن كثير). ونسهلك
يا محمد لعمل الخير وهو اليُسرَى، واليُسرَى: هو الفُعلى من اليسر.
(الطبري). ونيسرك : معطوف على سنقرئك
وقوله : إنه يعلم الجهر وما يخفى اعتراض . ومعنى لليسرى أي للطريقة اليسرى وهي عمل
الخير . قال ابن عباس : نيسرك لأن تعمل خيرا . ابن مسعود: لليسرى أي للجنة . وقيل :
نوفقك للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السمحة السهلة قال معناه الضحاك . وقيل : أي
نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به . (القرطبي).
(فَذَكِّرْ إِن
نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ) (الأعلى 9). أي : ذكر
حيث تنفع التذكرة . ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله ،
كما قال أمير المؤمنين علي ، رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه
عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم . وقال : حدث الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله
ورسوله ؟ (ابن كثير)!
إن
الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض... علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو
مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم
منوطا بحكمة وبمصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس وتتجدد
بتجدد ظروفهم وأحوالهم، وأن الأحكام وحكمها والعباد ومصالحهم والنواسخ والمنسوخات
كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه، والجديد في النسخ
إنما هو إظهارُهُ تعالى ما عَلِمَ لعباده؛ لا ظهور ذلك له.
منكروا
حدّ الرجم على الزاني المحصن في غالب أمرهم لا يؤمنون بالنسخ ولا يقرونه رغم
تلاوتهم الآية الكريمة: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة 106).
المصادر
1) القرآن الكريم
2) كتب السّنّة
المطهّرة
3) كتب التفسير
2) البغوي، أبو محمد الحسين الفراء (ت 510 هجري)، معالم التنـزيل في
التفسير والتأويل، دار الفكر (بيروت 1405 هجري 1985 ميلادي)، 5 أجزاء. م 5، ص 407.
3) الطبري، ابن جرير، (ت 310 هـ)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،
دار الفكر للطباعة والنشر (بيروت 1415
هـ - 1995 م).
2) القرطبي،
أبي عبد الله محمد بن أحمد (ت 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية (بيروت-لبنان الطبعة الخامسة
1417 هجري-1996 ميلادي)، واحد وعشرون مجلّدا. م 4 ج 18 ص 115.
1) ابن كثير القرشي الدمشقي، عمادالدين أبي الفداء (ت 774 هجري)، تفسير القرآن العظيم، دار الفيحاء (دمشق الطبعة الأولى 1414 هـ -1994 م)،
أربع مجلدات.
محمد الأمين الشنقيطي. " أضواء البيان
مراجع شرح السّنّة
1)
العسقلاني، أحمد بن حجر (852-773 هج). فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الكتب
العلمية ، الطبعة الثالثة (بيروت-لبنان 1418 هج- 1997 م)، خمسة عشر مجلّداً .
الراوي : أبو هريرة ، المحدث : مسلم ، المصدر :
صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 125 ، خلاصة حكم المحدث : ]صحيح[. التخريج : أخرجه مسلم
(125) ، شرح الحديث
الراوي: عبدالله بن عمر ، المحدث:
البخاري ، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم : 7032 ، خلاصة حكم المحدث: ]صحيح[. التخريج : أخرجه البخاري (7032)، ومسلم (2391) مطولاً. ، انظر شرح الحديث رقم 4982
[22] فتح الباري شرح صحيح البخاري:
رقم الفتوى: 328825. تاريخ النشر:الأحد 15 شعبان 1437 هـ -
22-5-2016 م
الراوي : عمر بن الخطاب ، المحدث
: ابن حزم ، المصدر : المحلى، الصفحة أو الرقم: 11/236
، خلاصة حكم المحدث : احتج به ، وقال في المقدمة: (لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند). التخريج :
أخرجه البخاي (6829)، ومسلم (1691)، والترمذي (1432)، والنسائي في
((السنن الكبرى)) (7156)، وابن ماجه (2553) باختلاف يسير، وابن حزم في ((المحلى)) (11/236)
واللفظ له
الراوي : عمر بن الخطاب ، المحدث :
شعيب الأرناؤوط ، المصدر :
تخريج المسند، الصفحة أو الرقم : 302 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح. التخريج
: أخرجه الترمذي (1431) بنحوه،
وأحمد (302) واللفظ له
(لقد أَقْرَأَنَا رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ آيةَ الرَّجْمِ الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارْجُمُوهُما
الْبَتَّةَ بمَا قَضَيَا مِن اللَّذَّةِ) (الراوي :
العجماء الأنصارية خالة أبي أمامة بن سهل ، المحدث : الألباني ، المصدر :
السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 6/976 ، خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان
بن عثمان وهو ضعيف.
التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى))
(7146)، وابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (3344)، والطبراني (25/185) (455) باختلاف
يسير
(الشيخُ والشيخَةُ إذا زنَيَا
فارْجُموهُمَا ألبتَةَ بمَا قَضَيَا من اللذَةِ) (الراوي : العجماء الأنصارية خالة
أبي أمامة بن سهل ، المحدث :
ابن حبان ، المصدر : المقاصد الحسنة، الصفحة أو
الرقم: 306 ، خلاصة حكم المحدث:
[صحيح]. التخريج : أخرجه الطبراني (24/350) (867)، والحاكم (8070)،
وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (7776)
(لقد أقرَأَناها رسولُ اللَّهِ صلَّى
اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ آيةُ الرَّجمِ الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجموهما
البتَّةَ بما قضيا من لذَّتِهما) (الراوي : العجماء الأنصارية خالة أبي أمامة بن
سهل ، المحدث : ابن كثير ، المصدر : تحفة الطالب، الصفحة أو الرقم: 329، خلاصة حكم المحدث :
إسناده جيد. التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (7146)، وابن أبي عاصم في
((الآحاد والمثاني)) (3344)، والطبراني (25/185) (455) باختلاف يسير
(الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فاجلِدوهما
البتةَ بما قضيَا من اللذةِ) (الراوي : العجماء الأنصارية خالة أبي أمامة بن سهل،
المحدث الهيثمي ، المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 6/268 ، خلاصة حكم المحدث :
رجاله رجال الصحيح. التخريج : أخرجه الطبراني (24/350) (867)، والحاكم (8070)، وأبو نعيم في
((معرفة الصحابة)) (7776) باختلاف يسير
(الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما
البتَّةَ بما قضيا منَ اللَّذَّةِ) (الراوي : العجماء الأنصارية خالة أبي أمامة بن
سهل ، المحدث : ابن حجر العسقلاني ،
المصدر : موافقة الخبر الخبر،
الصفحة أو الرقم: 2/304، خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن) (الراوي: [العجماء الأنصارية خالة
أبي أمامة بن سهل] ، المحدث :
الزرقاني ، المصدر : مختصر المقاصد، الصفحة أو
الرقم: 569 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح. التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (7108 )، والطبراني في ((المعجم
الكبير)) (24/ 350) (867 )، والحاكم (8070 )
(الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا فارجموهما
بما قضيا من اللذةِ) (الراوي : سهل بن حنيف ، المحدث : محمد جار الله الصعدي، المصدر : النوافح العطرة، الصفحة أو الرقم: 174 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح. التخريج : أخرجه الطبراني (24/350) (867)، والحاكم (8070)، وأبو نعيم في ((معرفة
الصحابة)) (7776) باختلاف يسير.
[52] (أنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إلى النبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ منهمْ وامْرَأَةٍ قدْ زَنَيَا، فَقَالَ لهمْ: كيفَ
تَفْعَلُونَ بمَن زَنَى مِنكُمْ؟ قالوا: نُحَمِّمُهُما ونَضْرِبُهُمَا، فَقَالَ:
لا تَجِدُونَ في التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ؟ فَقالوا: لا نَجِدُ فِيهَا شيئًا،
فَقَالَ لهمْ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ فَأْتُوا بالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا
إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الذي يُدَرِّسُهَا منهمْ كَفَّهُ
علَى آيَةِ الرَّجْمِ فَطَفِقَ يَقْرَأُ ما دُونَ يَدِهِ، وما ورَاءَهَا ولَا
يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عن آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَالَ: ما هذِه؟
فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قالوا: هي آيَةُ الرَّجْمِ، فأمَرَ بهِما فَرُجِما قَرِيبًا
مِن حَيْثُ مَوْضِعُ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا
يَحْنِي عَلَيْهَا يَقِيهَا الحِجَارَةَ.) ( الراوي: عبدالله بن عمر ، المحدث : البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4556 ، خلاصة حكم المحدث: ]صحيح[
(أنَّ
اليَهُودَ جَاؤُوا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرُوا له
أنَّ رَجُلًا منهمْ وامْرَأَةً زَنَيَا، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ: ما تَجِدُونَ في التَّوْرَاةِ في شَأْنِ الرَّجْمِ. فَقالوا:
نَفْضَحُهُمْ ويُجْلَدُونَ، فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ
فِيهَا الرَّجْمَ فأتَوْا بالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أحَدُهُمْ يَدَهُ
علَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ ما قَبْلَهَا وما بَعْدَهَا، فَقالَ له عبدُ اللَّهِ
بنُ سَلَامٍ:ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ،
فَقالوا: صَدَقَ يا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فأمَرَ بهِما رَسولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُجِمَا، قالَ عبدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ
الرَّجُلَ يَجْنَأُ علَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ.) ( الراوي :
عبدالله بن عمر ، المحدث: البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3635 ، خلاصة حكم المحدث : ]صحيح[ ،
شرح
الحديث :
حرَّفَ
أهلُ الكتابِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى كُتبَهمُ الْمُنْزَلَةَ عليهم، فَحذَفوا وغيَّروا
وأَدخَلوا فيها ما ليس منها، وما بَقِيَ منه لم يعمَلُوا به، وأخفَوْه وكتَمُوه
وهم يعلمونَ، وفي هذا الحديثِ صورةٌ مِن صُوَرِ جحودِ اليهودِ وكِتمانِهم ما أنزلَ
اللهُ تعالى عليهم مِنَ التَّوراةِ حيثُ إنَّهم جاؤوا بِرجُلٍ وامرأةٍ منهم قد
زَنَيَا، فقالَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كيف تفعلونَ بِمَنْ زنى منكم؟
فقالوا: نُحَمِّمُهما ونَضربُهما، أي: نُسوِّدُ وجوهَهما بِالْحُممِ وهو الفَحْم
ونَضربُهما، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم سائلًا لهم: «لا تَجدُونَ في التَّوراةِ
الرَّجْمَ»؟ أي: ليس عندكم مكتوبًا في التَّوراةِ أنَّ مَن زَنى يُرجَمُ، فقالوا:
لا نَجدُ فيها شيئًا، وكان عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ رضِي اللهُ عنه مِن علمائِهم
قبْلَ إسلامِه، فرَدَّ عليهم وقال لهم: كذبْتُم فَأْتوا بِالتَّوراةِ فَاتْلُوها إنْ
كنتم صادقِينَ، فوضَعَ مِدْراسُها- أي: الَّذي يدْرُسُ التَّوراةَ عندَهم- كَفَّه
على ما يَخصُّ الرَّجْمَ فيها، وبدأَ هذا الرَّجلُ يقرأُ ما قبْلَ آيةِ الرَّجْمِ
وما بعْدَها ولا يَقرؤُها فَأزاحَ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رضِي اللهُ عنه يدَه عَن
آيةِ الرَّجمِ وقال له: ما هذه؟ فلمَّا رأَوْا ذلك قالوا: هي آيةُ الرَّجْمِ،
فَأمَرَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِالرَّجلِ والمرأةِ فَرُجِما
بِالْقُرْبِ مِن موضعِ الجنائزِ عند المسجدِ، فلمَّا بدأَ الرَّجْمُ رأى عبدُ
اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما الرَّجلَ يَجْنَأُ، أي: يَميلُ ويَكُبُّ على
المرأةِ؛ لِيحمِيَها مِنَ الحجارةِ.
(ثلاثةٌ لا يكلِّمهُم اللهُ
ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكِّيهِم ولهم عذابٌ أليمٌ : شيخٌ زانٍ ،
وملكٌ كذابٌ ، وفقيرٌ مختالٌ . وفي لفظٍ : عائلٌ مزهوٌّ وفي لفظٍ : وعائلٌ
مستكبرٌ) (الراوي :
- ،
المحدث : ابن تيمية ، المصدر : منهاج السنة، الصفحة أو الرقم: 7/209 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح )
(ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللَّهُ ولا ينظرُ إليْهم
يومَ القيامةِ ولا يزَكِّيهم ولَهم عذابٌ أليمٌ فقيرٌ مختالٌ ، وشيخٌ زانٍ ، وملكٌ
كذَّابٍ) (الراوي :
- ، المحدث : ابن تيمية ، المصدر : مجموع الفتاوى، الصفحة أو الرقم: 11/130 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح )
(ثلاثةٌ
لا يكلمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ : شيخٌ زانٍ وملكٌ
كذابٌ وفقيرٌ مختالٌ) (الراوي: - ،
المحدث : ابن تيمية ، المصدر : مجموع الفتاوى، الصفحة أو الرقم: 11/647 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح )
(ثلاثةٌ
لا يُكلِّمُهمُ اللهُ يومَ القيامةِ ولا يَنظرُ إليهِمْ ولا يُزكِّيهِمْ ولهمْ
عذابٌ أليمٌ : شيخٌ زانٍ ، و ملِكٌ كذّابٌ ، و عائِلٌ مُستكبِرٌ) (الراوي : أبو هريرة ، المحدث : الألباني ، المصدر :
صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 3069 ،
خلاصة حكم المحدث : صحيح . التخريج : أخرجه مسلم (107)، والنسائي (2575)، وأحمد (9592) واللفظ له
(ثلاثةٌ
لا يُكلِّمُهمُ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ يومَ القيامة: الشَّيخُ الزَّاني، والعائلُ
المزْهوُّ، والإمامُ الكذَّابُ) (الراوي : أبو هريرة ، المحدث :
الألباني ، المصدر : صحيح النسائي، الصفحة أو
الرقم: 2574 ، خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح.
التخريج : أخرجه مسلم (107) بنحوه،
والنسائي (2575) واللفظ له، وأحمد (9592) باختلاف يسير)
الراوي : البراء بن عازب ، المحدث : الألباني ، المصدر :
صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4448 ، خلاصة حكم المحدث :
صحيح ،
انظر شرح
الحديث رقم 36749. التخريج : أخرجه مسلم (1700)، والنسائي في ((السنن
الكبرى)) (7218)، وابن ماجه (2558)، وأحمد (18525) مطولاً، وأبو داود (4448)
واللفظ له
المصدر: الإسلام
سؤال وجواب على الرابط :
(ألا إنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معهُ ألا
يوشكُ رجلٌ شبعانُ على أريكتِهِ يقولُ عليكم بهذا القرآنِ فما وجدُتم فيهِ من حلالٍ
فأحلوا وما وجدُتم فيهِ من حرامٍ فحرِّموا وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ كما حرَّمَ اللهُ ألا لا يحلُّ لكم لحمُ الحمارِ الأهليِّ ولا
كلُّ ذي نابٍ منَ السِّباعِ ولا لُقطةُ معاهدٍ إلَّا أن يستغنيَ عنها صاحبُها ومن
نزلَ بقومٍ فعليهم أن يقروهُ فإن لم يقروهُ فلهُ أن يعقبَهم بمثلِ قِراهُ) (الراوي
: المقدام بن معد يكرب الكندي ، المحدث : ابن حجر العسقلاني، المصدر : تخريج مشكاة
المصابيح، الصفحة أو الرقم: 1/129 ، خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة]
(ألا إني أُوتيت الكتابَ ومثلَه معَه، ألا يوشكُ
رجلٌ شبعانَ يتكئُ على أريكتِه يُحدثُ بحديثٍ من حديثي فيقولُ: بينَنا وبينَكم
كتابُ اللهِ ما وجدنا فيه من حلالٍ حلَّلناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه)
(الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي ، المحدث : ابن باز، المصدر : مجموع فتاوى
ابن باز، الصفحة أو الرقم: 182/9 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
(أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال : ألا
وإني أُوتيتُ الكتابَ ومثلَه معَه، ألا يُوشكُ رجلٌ شبعانَ متكئًا على أريكتِه
يُحدِّثُ بحديثٍ من حديثي فيقولُ : بينَنا وبينَكم كتابُ اللهِ، ما وجدنا فيه من
حلالٍ حلَّلناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه) (الراوي : المقدام بن معد يكرب
الكندي ، المحدث : ابن باز ، المصدر : مجموع فتاوى ابن باز، الصفحة أو الرقم: 137/8 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
(ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معَه، ألا يوشكُ
رجلٌ شبعانَ على أريكتِه يقولُ عليكم بهذا القرآنِ فما وجدتم فيه من حلالٍ
فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه) (الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي
، المحدث : ابن باز ، المصدر : مجموع فتاوى ابن باز، الصفحة أو الرقم: 245/1 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
(ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه، ألا يُوشكُ
رجلٌ شبعانَ على أريكتِه يقولُ عليكم بهذا القرآنِ فما وجدتم فيه من حلالٍ
فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه) (الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي
، المحدث : ابن باز ، المصدر : مجموع فتاوى ابن باز، الصفحة أو الرقم: 220/1 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
(ألَا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه ألا يوشكُ
رجلٌ شبعانُ يتَّكئُ على أريكتِه يُحدَّثُ بحديثٍ من حديثي فيقولُ بيننا وبينهم
كتابُ الله ما وجدنا فيه من حلالٍ حلَّلناهُ وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناهُ)
(الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي ، المحدث : ابن باز ، المصدر : مجموع فتاوى
ابن باز، الصفحة أو الرقم: 25/16 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
(ألا إنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معَهُ ، ألا
يوشِكُ رجلٌ شبعانٌ علَى أريكتِهِ يقولُ : عليكم بِهَذا القرآنِ ، فما وجدتُمْ
فيهِ من حلالٍ فأحلُّوا ، وما وجدتُمْ فيهِ من حرامٍ فحرِّموهُ ، وإنَّ ما حرَّمَ
رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - كما حرَّمَ اللَّهُ ; ألا لا
يحلُّ لَكُمُ الحمارُ الأَهْليُّ ، ولا كلُّ ذي نابٍ منَ السِّباعِ ولا لقطةُ
معاهَدٍ إلَّا أن يستغنيَ عنها صاحبُها، ومن نزلَ بقومٍ ، فعليهم أن يُقروهُ ، فإن
لم يُقروهُ فلَهُ أن يُعْقِبَهم بمثلِ قِراهُ) (الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي
، المحدث : الألباني، المصدر : تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 162 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
(ألا إني أُوتيتُ القرآنَ ومثلُه معه ، ألا يُوشِكُ
رجلٌ شبعانٌ على أريكتِه يقول : عليكم بهذا القرآنِ ، فما وجدتم فيه من حلالٍ
فأحِلُّوه ، وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموهُ ، وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ كما
حرَّمَ اللهُ ، ألا لا يحلُّ لكم الحمارُ الأهليُّ، ولا كلُّ ذي نابٍ من السباعِ ،
ولا لُقَطَةُ معاهدٍ إلا أن يستغنيَ عنها صاحبُها ، ومن نزل بقومٍ فعليهم أن
يَقْرُوهُ ، فإن لم يَقْرُوهُ ، فله أن يُعْقِبَهُمْ بمثلِ قِرَاهُ) (الراوي :
المقدام بن معد يكرب الكندي، المحدث : الألباني ، المصدر : الحديث حجة بنفسه، الصفحة
أو الرقم:28 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده
صحيح
(ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَهُ معهُ ، لا
يُوشِكُ رجُلٌ شبعانٌ على أريكتِهِ يقولُ عليكُم بِهذَا القُرآنِ فما وجدتُم فيهِ
مِن حَلالٍ فأحلُّوه وما وَجدتُم فيهِ مِن حرامٍ فحرِّمُوه ، ألا لا يحلُّ لكُم
لحمُ الحِمارِ الأهليِّ ، ولا كلِّ ذي نابٍ من السَّبُعٍ ، ولا لُقَطةِ معاهَدٍ ،
إلَّا أن يستَغني عَنها صاحبُها ، ومَن نزل بقومٍ فعليهِم أن يُقْرُوه ، فإن لَم
يُقْرُوه فله أن يُعْقِبَهُمْ بمثلِ قِرَاه) (الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي
، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم:4604 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح ، انظر شرح الحديث رقم
21888
(ألا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَهُ معه ،
ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعانٌ على أرِيكَتِه يَقولُ : علَيكُم بِهذا القُرآنِ ،
فمَا وجَدْتُم فيه من حلالٍ فأَحِلُّوهُ ، ومَا وجدْتُم فيه من حَرامٍ فَحرِّمُوه
، ألا لا يَحِلُّ لَكُم لَحمُ الحِمارِ الأَهْلِيِّ ، ولا كُلِّ ذِي نابٍ من
السَّبُعِ ، ولا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ ، إِلَّا أنْ يَستغْنِيَ عنها صاحِبُها ، ومَن
نزل بِقومٍ فعلَيهِم أنْ يُقْرُوهُ ، فإِنْ لَم يُقْرُوهُ فلَه أنْ يَغْصِبَهم
بِمثلِ قِراهُ) (الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي ، المحدث : الألباني ، المصدر
: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 2643 ،
خلاصة حكم المحدث : صحيح
(ألا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معَه ألا يوشِك
رجلٌ شبعانُ على أريكتِه يقولُ عليكم بِهذا القرآنِ فما وجدتُم فيهِ من حلالٍ
فأحلُّوهُ وما وجدتُم فيهِ من حرامٍ فحرِّموهُ ألا لا يحلُّ لكم الحمارِ الأَهليِّ
ولا كلُّ ذي نابٍ منَ السَّبُعِ ولا لقطةُ معاهدٍ إلَّا أن يستغنيَ عنها صاحبُها
ومن نزلَ بقومٍ فعليهم أن يُقروهُ فإن لم يُقروهُ فلَه أن يُعقِبَهم بمثلِ قِراه)
(الراوي : المقدام بن معد يكرب الكندي ، المحدث : الوادعي ، المصدر : صحيح دلائل
النبوة، الصفحة أو الرقم: 591 ،
خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
(ألَا إنِّي أُوتيتُ الكِتابَ ومِثلَه معه، ألَا
يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعانُ على أريكَتِه يقولُ: عليكم بهذا القُرآنِ، فما وَجَدتُم
فيه من حَلالٍ فأحِلُّوه، وما وَجَدتُم فيه من حَرامٍ فحَرِّموه، ألَا لا يَحِلُّ
لكم لَحمُ الحمارِ الأهليِّ، ولا كُلُّ ذي نابٍ من السَّبُعِ، ولا لُقَطةُ
مُعاهَدٍ إلَّا أنْ يَستغنيَ عنها صاحبُها، ومَن نزَلَ بقَومٍ، فعليهم أنْ يَقرُوه،
فإنْ لم يَقرُوه، فله أنْ يُعقِبَهم بمثلِ قِراهُ.) (الراوي : المقدام بن معدي كرب ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ،
المصدر : تخريج سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4604 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
الراوي : أبو هريرة ، المحدثون :
البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5109 ، خلاصة حكم المحدث : ]صحيح[
مسلم ، المصدر :
صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1408 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عائشة أم المؤمنين ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح أبي داود،
الصفحة أو الرقم:
4384 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح .
الشرح: حدَّدَ اللهُ سبحانَه وتعالى عُقوبةَ السَّارقِ، وهي قطْعُ
يدِه؛ كما في قولِه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقد بَيَّنتِ السُّنَّةُ شُروطَ هذا القطعِ وأركانَ
جَريمةِ السَّرقةِ الَّتي تَستوجِبُ هذا العقابَ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "تُقطعُ اليدُ في رُبعِ دِينارٍ"، وهو خبرٌ
بمعنى الأمرِ، أي: اقْطَعوا يدَ السَّارقِ بِسببِ سرقةِ ربعِ دينارٍ
"فَصاعدًا "، أي: فما زادَ على ذلك، فإذا سرَقَ السَّارقُ ربعَ دينارٍ
أو أكثرَ فإنَّها تُقطعُ يدُه مِن مِفصَلِ الكفِّ، والدِّينارُ مِثقالٌ مِنَ
الذَّهبِ وهو دِرهمٌ وثلاثةُ أسباعِ الدِّرهمِ، والدِّينارُ حاليًّا يُعادِل (4.25
غرام ذهب)؛ فرُبُع الدِّينارِ يُعادل جِرامًا ورُبعًا تقريبًا.
الراوي : أبو بكر الصديق ، المحدثون
:
ابن كثير
، المصدر : تحفة الطالب، الصفحة أو
الرقم: 214 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده على شرط مسلم
ابن حجر
العسقلاني ، المصدر : التلخيص الحبير، الصفحة أو
الرقم: 3/1093 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده على شرط مسلم
الراوي: أسامة بن زيد ، المحدث: البخاري ، المصدر: صحيح البخاري،
الصفحة أو الرقم:
6764 ، خلاصة حكم المحدث : ] صحيح[ . التخريج : أخرجه البخاري (6764) واللفظ له، ومسلم (1614)
(سَمِعْتُ سَعدَ بنَ أبي
وقَّاصٍ يَقرأُ :
ما نَنسَخْ من آيةٍ أو نُنسِها قالَ : قلتُ لَهُ : فإنَّ
سعيدَ بنَ المسيِّبِ يقرأُ أو نَنسَأْها قال: فقال سعدٌ : إنَّ القرآنَ ، لم
يُنزَل على المسيِّبِ ولا على آلِ المسيَّبِ ، قال اللَّهُ جلَّ ثَناؤُهُ :
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى [الأعلى : 6] واذْكُرْ ربَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الراوي : القاسم
بن ربيعة
، المحدث : أحمد شاكر ، المصدر: عمدة التفسير، الصفحة أو الرقم: 1/154 ، خلاصة حكم المحدث : ]أشار في المقدمة إلى صحته] ، ورواية الحاكم أن قراءة سعد بن أبي وقاص
{أو ننساها} ، وقراءة ابن المسيب {أو ننسها} وهو الصواب
التخريج : أخرجه
النسائي في ((السنن الكبرى)) (10996)، وسعيد بن منصور في ((السنن)) (2/597)،
والحاكم (3924) باختلاف يسير.
- (قالَ عُمَرُ: أُبَيٌّ
أقْرَؤُنا، وإنَّا لَنَدَعُ مِن لَحَنِ أُبَيٍّ، وأُبَيٌّ يقولُ: أخَذْتُهُ مِن في
رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلا أتْرُكُهُ لِشيءٍ، قالَ اللَّهُ
تَعالَى: }مانَنْسَخْ مِن آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأْتِ بخَيْرٍ مِنْها أوْ
مِثْلِها} [البقرة: 106[) (الراوي : عمر بن الخطاب،
المحدث : البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5005 ، خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )
- (قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أقْرَؤُنَا
أُبَيٌّ، وأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وإنَّا لَنَدَعُ مِن قَوْلِ أُبَيٍّ، وذَاكَ أنَّ
أُبَيًّا يقولُ: لا أدَعُ شيئًا سَمِعْتُهُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ. وقدْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ما نَنْسَخْ مِن آيَةٍ أوْ نُنْسِهَا})
(الراوي : عبدالله بن عباس ، المحدث : البخاري ، المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو
الرقم: 4481 ، خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
شرح
الحديث:
كانَ أصحابُ النبيِّ صلَّى الله عليه
وسلَّم يأخذونَ عنهُ العِلمَ والشَّرائعَ، وقدْ تميَّزَ بعضُهُمْ في بعضِ فُروعِ
العِلمِ الشَّرعيِّ، وكان الصحابةُ يشهدُ بعْضُهُمْ لبعضٍ بالفَضلِ والعِلمِ، وهذا
مِن حُسنِ الأَدبِ الذي يَنبغى تعلُّمُه، وفي هذا الحديثِ قالَ عُمَرُ بنُ
الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ: "أَقْرَؤُنا أُبَيٌّ"، أي: أكْثرُنا حِفْظًا
للقُرآنِ وعِلمًا به وفَهمًا له، هو أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رضِي الله عنه. "وأَقْضانا عَلِيٌّ"؛ أيْ:
وأكثرُنا عِلمًا وفهمًا في أُمورِ القَضاءِ هو عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ. "وَإنَّا لنَدَعُ مِنْ قَولِ
أُبَيٍّ"؛ أيْ: وإنَّنا معَ عِلْمِنا بِذلكَ فإنَّنا نَترُكُ مِن قَولِ
أُبَيِّ بنِ كَعبٍ في بعضِ القِراءاتِ التي يَروِيها عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه
وسلَّم. "وَذَاكَ أنَّ أُبَيًّا يَقولُ:
لا أَدَعُ شيئًا سمِعْتُهُ منْ رسَولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ أيْ:
لا أَترُكُ شيئًا سَمِعْتُهُ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قِراءةِ
القرآنِ، كمَا سمِعتُهُ منْهُ بِحُجَّةِ أنَّهُ نُسِخَتْ قِراءتُهُ أو حُكمُهُ،
فهذا يدُلُّ على أنَّه لا يَقولُ بنَسخِ شَيءٍ منَ القُرآنِ، وقدِ احتَجَّ عمرُ
على أُبَيٍّ بأنَّ النَّسخَ موجودٌ كما قالَ اللهُ تعالى في كتابِه : {مَا
نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] أي ما نُبدِّلُ مِن آيةٍ أو
نترُكُها لا نُبَدِّلُها، وهذا يدُلُّ على ثُبوتِ النَّسخِ في القرآنِ، وقدْ يقَعُ
النَّسخُ على الحُكمِ دونَ التِّلاوةِ، وقد يكونُ للتِّلاوةِ معَ بقاءِ الحُكمِ
وقدْ يكونُ لهما معًا.
وفي الحديثِ: بيانُ مَنقَبةِ بعضِ
الصَّحابةِ وشَهادةِ بعضِهمْ لِبعضٍ بالفَضلِ.
- (قال
عمرُ رضِي اللهُ عنه : عليٌّ أقضانا وأُبيٌّ أقرأُنا ، وإنَّا لندعُ كثيرًا من
لحنِ أُبيٍّ إن أنبأَ بقولِ : سمِعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم
ولنْ أدعَه لشيءٍ ، واللهُ يقولُ { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِهَا }) (الراوي : عمر بن الخطاب ، المحدث : ابن كثير ،
المصدر : مسند الفاروق، الصفحة أو الرقم: 2/563 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح